إنا لا ندعي أن كون الفعل خارقا للعادة (١)] يدل على الصدق ، بل إنما ندعي حصول هذه الدلالة عند حصول شرط زائد ، وهو كون ذلك المعجز دائرا مع تلك الدعوى ، وجودا وعدما. إلا أنا نقول : إن العقلاء أطبقوا على أن الدوران مع الشيء لا يفيد العلية إفادة قطعية؟
واختلفوا في أنه هل يدل على حصول العلية دلالة ظنية أم لا؟ وقد بينا هذا المطلوب بالوجوه الكثيرة. فيثبت : أن التمسك بهذا الطريق غير جائز.
الشبهة الثالثة : دلالة المعجز على الصدق لو حصلت ، لكانت إما أن تكون مشروطة بعدم المعارضة ، أو لا تكون مشروطة به ، والقسمان باطلان ، فبطل القول بدلالة المعجز على الصدق.
إنما قلنا : إنه لا يمكن أن تكون هذه الدلالة مشروطة بعدم المعارضة لوجوه :
الأول : إنه إما أن يكفي في كون المعجز ، معجزا ، عدم المعارضة في الحال ، أو المعتبر عدم المعارضة أبدا [أو المعتبر عدم المعارضة في مرتبة متوسطة بين المرتبتين المذكورتين. والأقسام (٢)] الثلاثة باطلة. أما عدم المعارضة في الحال ، فإنه لا يكفي في كون الفعل معجزا. فكم من إنسان يأتي بعمل ، فلا يقدر الحاضرون في الحال على معارضته ، مع أنه لا يكون ذلك العمل معجزا بالاتفاق. وأما القسم الثاني : وهو أن يكون الشرط في كونه معجزا عدم المعارضة أبدا فهذا الشرط مجهول. فمن الذي يمكنه أن يعلم أن أحدا من الواردين بعده إلى قيام القيامة ، لا يمكنه الإتيان بهذه المعارضة؟ وإذا صار هذا الشرط مجهولا [صار المشروط أيضا مجهولا (٣)] فوجب أن تصير المعجزات بأسرها : مجهولة. وأما القسم الثالث : وهو المرتبة المتوسطة بين المرتبتين المذكورتين. فنقول : إن تلك المراتب المتوسطة كثيرة متفاوتة. وليس اعتبار بعضها أولى من اعتبار
__________________
(١) سقط (ت).
(٢) من (ط ، ل).
(٣) سقط (ت).