والحكيم إذا فوض أعظم المناصب وأجلها إلى بعض عبيده ، فإنه لا يليق به إلقاء ذلك العبد في الذل والهوان. ونرى أن الرسول البشري واقعا في الذل والهوان ، بسبب الجوع والفقر [والخوف من الأعداء (١)] والفرار من قرية إلى قرية أخرى ، وطلب الأموال القليلة من أصحابه.
فيثبت بهذه الوجوه : إن إرسال الرسول من الملائكة أفضى إلى المقصود [من إرساله من البشر (٢)].
[فإن قالوا : إرسال الرسول من الملائكة ، يوجب أنواعا من المفاسد.
أولها : أن الأمة إما أن يشاهدوا ذلك الملك على صورته الأصلية ، أو على صورة أخرى مستعارة ، والأول يوجب الخوف الشديد ، وزوال العقل. ألا ترى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما رأى جبريل عليهالسلام على خلقته الأصلية (٣) غشى عليه. والثاني باطل. لأنه إذا رأى الملك على صورة الإنسان ، فحينئذ لا يبقى بينه وبين الإنسان فرق.
وثانيها : إن الملائكة فيهم شدة عظيمة (٤) وقهر شديد ، فهم لا يسامحون البشر في زلاتهم ومعاصيهم ، بخلاف الرسول البشري.
وثالثها : إن الجنس إلى الجنس أميل. فإلف الناس برسول يأتيهم من جنسهم ، أكمل من إلفهم بالملك.
قلنا : أما السؤال الأول فمدفوع. فإنا نقول : خلق الخوف ، والفزع في قلوب العباد من الله تعالى ، فكان يجب أن يجعل قلوب البشر ، بحيث إذا شاهدوا الملك ، لم يفزعوا منه ، فيصير هذا المعنى معجزة على صدق ذلك الملك.
__________________
(١) سقط (ت).
(٢) من (ل) ، (طا).
(٣) الأولى (ت).
(٤) قوة شديدة (ت).