كما أنّ المحرز لكون الطبيعة المدخولة للفظ الكلّ مطلقة ليس إلّا تلك المقدّمات ؛ إذ بدونها يردّد الأمر بين أن يكون النفي واردا على المطلق وبين أن يكون واردا على المقيّد ، فتتوقّف ألفاظ العموم في الدلالة عليه بجريان مقدّمات الحكمة والإطلاق.
وأجاب عنه المحقّق الحائري قدسسره (١) في كتاب درر الفوائد بما حاصله : أنّ استفادة استيعاب أفراد الرجل من جملة «أكرم كلّ رجل» لا يحتاج إلى مقدّمات الحكمة ، فإنّ الظاهر من جعل الرجل عنوانا للموضوع أنّه بنفسه مورد للحكم ، ولهذا العنوان مدخليّة في الحكم ، كما أنّه يستفاد من قوله : «أكرم كلّ رجل» اتّكاء المولى على عنوان الرجوليّة ونفي عنوان المرأة ، كذلك يستفاد منه اتّكاؤه عليه ونفي عنوان العالم وأمثال ذلك ، فمفهوم الرجل ينفي عنوان العالميّة زائدا على عنوان الرجوليّة كنفيه عنوان المرأة من دون احتياج إلى مقدّمات الحكمة.
ثمّ ذكر الإشكال النقضي بقوله : ولو لا ذلك لما دلّ قولنا : «أكرم العالم» مطلقا أيضا على الإطلاق ؛ إذ الإطلاق أيضا أمر وارد على مفهوم لفظ العالم ، والمفروض أنّه مهمل يجتمع مع المقيّد ، ولذا لو قال : «أكرم العالم العادل» مطلقا لم يكن تجوّزا قط ، كما ذكرناه في تقرير الشبهة في مدخول لفظ الكلّ والنفي ، ولا شبهة في أنّ العرف والعقلاء لا يقفون عند سماع هذا الكلام ، ولا يطلبون مقدّمات الحكمة في مفهوم لفظ العالم الذي ورد الإطلاق عليه ، والحال أنّ لازم هذا الكلام جريان الإطلاق في الطبيعة المطلقة مرّتان ، بعد عدم إمكان جريانه في الطبيعة المقيّدة بالعدالة والطبيعة المهملة ؛ إذ الغرض من جريان الإطلاق نفي
__________________
(١) درر الفوائد : ٢١١ ـ ٢١٢.