الخراساني قدسسره (١) : ودلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلا ؛ لضرورة أنّه لا يكاد يكون طبيعة معدومة إلّا إذا لم يكن فرد منها بموجود ، وإلّا كانت موجودة.
وقد تقدّم مفصّلا توضيح هذه القاعدة العقليّة في جانب النفي والإثبات ، وبطلانها في طرف النفي بأنّ إيجاد الطبيعة إن كان بوجود فرد ما فلا محالة يكون انعدامها بانعدام فرد ما ، ولذا لا مانع من اجتماع امور متضادّة من الوجود والعدم في آن واحد في الطبيعة بلحاظ الأفراد الموجودة والمعدومة في الخارج ، كما أنّ طبيعة الجسم تتّصف بالسواد والبياض في آن واحد بلحاظ الأفراد ، فلا دلالة للنكرة في سياق النفي على العموم عقلا.
إن قلت : لا شكّ بيننا وبين وجداننا في استفادة انتفاء جميع الأفراد من جملة : «لا رجل في الدار».
قلت : سلّمنا ، ولكنّه مفاد عرفي لها لا عقلي ؛ إذ العرف يحكم بأنّ الطبيعة لا تنعدم إلّا بانعدام جميع الأفراد ، فيكون مستند دلالتها عليه القاعدة العرفيّة ، ولا يكون معناه التبادر عند العرف حتّى يرجع إلى الدلالة اللفظيّة الوضعيّة.
ولا يخفى أنّ دلالة النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهي على العموم يتوقّف على الإطلاق وجريان مقدّمات الحكمة ، بخلاف ألفاظ العموم ؛ إذ القاعدة المذكورة ـ سواء كانت عقليّة أم عرفيّة ـ لا تعيّن الموضوع ، فإنّها بمنزلة الكبرى والموضوع بمنزلة الصغرى ، ولا يمكن تعيين الصغرى بواسطة الكبرى ، بل لا بدّ من أخذه من الخارج ، ولذا نحتاج إلى جريان مقدّمات الحكمة لإحراز أنّ المقصود من «الرجل» مطلق الرجل أو الرجل المقيّد بالعلم ، ولا طريق لنا سوى ذلك.
__________________
(١) المصدر السابق.