قامت تظلّلني ومن عجب |
|
شمس تظلّلني من الشمس |
ولو لا إرادة معاني هذه الألفاظ لما كان موقع للتعجّب عن تظليل محبوبته ؛ لأنّه جسم حائل ويمنع الشمس عن الإنسان ، فكيف يكون التعجّب من تظليله؟! ويصحّ التعجّب فيما كانت محبوبته فردا من الشمس ادّعاء ، وهكذا في مثل قوله : أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... ، ومقصوده هنا من الأسد : الأسد الحقيقي ، ومن النعامة : النعامة الحقيقيّة ، ونحو ذلك من الأمثلة.
وكلامه قدسسره يعمّ مطلق المجاز ، مرسلا كان أم استعارة ، وصرّح أنّ بملاحظة مجموع كلام السكّاكي في المفتاح يظهر أنّه يعمّ مذهبه أيضا في مطلق المجاز ، وإنّما خصّ الاستعارة بالمثال لأنّها من أشهر أقسامه ، ومن البعيد من مثله أن يفرّق بينهما من غير فارق أصلا ؛ إذ الادّعاء الذي بنى عليه مذهبه ممكن في جميع أقسام المجاز.
أمّا قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها)(١) فالمشهور قائل بأنّ المقصود من القرية بعلاقة الحالّ والمحلّ هو أهل القرية ، مع أنّه لا حسن فيه وليس بصحيح ، فإنّ مقصود أبناء يعقوب أنّ الدرب والجدار يشهد بصدقنا ووجدان صواع الملك في رحل أخينا.
وهكذا في قولنا حين موت عالم : «كيف لا تظلم الدنيا وقد فقدت الشمس» ، ونحو ذلك.
فالتحقيق : أنّ كلام السكّاكي عام يشمل مطلق المجاز. والفرق بين كلامه وما ذكرناه أنّه يبني مذهبه على أنّ التصرّف في أمر عقليّ ، وأنّ المستعير يدّعي أنّ للأسد ـ مثلا ـ فردا آخر وهو الرجل الشجاع.
__________________
(١) يوسف : ٨٢.