أنّ العالم الفاسق كأنّه ليس بعالم ادّعاء.
ولكنّه مردود بأنّ معنى التخصيص محدوديّة الحكم لا الموضوع ، كما يشهد له الوجدان والعرف ، فإنّ التخصيص نظير التبصرة في القانون ولا يكون الادّعاء في البين ، مثل: قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) ، وقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)(٢) ، ومعلوم أنّ كلمة «حرّم» تدلّ على الحكم الوضعي ، كما أنّ الأمر بوجوب الوفاء كناية عن صحّة البيع ، فمعناه أنّه لا يجب الوفاء بعقد الربا ؛ لكونه شبيه التبصرة في جنب القانون الكلّي ، وليس معناه أنّ عقد الربا ليس بعقد ولو ادّعاء.
وهذا هو الفرق بين الحكومة والتخصيص ، فإنّ الدليل الحاكم ناظر إلى الدليل المحكوم ويوجب التوسعة والتضييق في موضوعه ، بخلاف التخصيص فلا يكون التخصيص ـ متّصلا كان أم منفصلا ـ من مصاديق المجاز على هذا المبنى.
وأمّا على مبنى المشهور ـ أي كون المجاز عبارة عن استعمال اللفظ في غير ما وضع له ـ فهل التخصيص مستلزم لمجازيّة العام أم لا؟ والمخصّص المتّصل لا يستلزم المجازيّة ، فإنّه ليس بمخصّص أصلا ، بل هو بمنزلة الوصف ، فهو نظير قولنا : «أكرم العلماء الموصوفين بالعدالة أو الموصوفين بعدم الفسق» ، وعلى فرض كونه تخصيصا فلا يوجب المجازيّة ، فإنّ لازم ذلك استعمال لفظ العلماء في غير ما وضع له ، وعلى هذا يكون الاستثناء باطلا ؛ لعدم دخول العالم الفاسق في عنوان العام من الابتداء ، فكيف يمكن استثناؤه منه؟!
__________________
(١) المائدة : ١.
(٢) البقرة : ٢٧٥.