إنّما الكلام في المخصّص المنفصل على هذا المبنى ، يمكن أن يقال : إنّ أمره دائر بين النسخ والمجاز ، فإن قلنا باستعمال العام من الابتداء في علماء غير الفاسق فهذا استعمال مجازيّ ؛ إذ الجمع المحلّى باللام الموضوع للعموم استعمل في غير ما وضع له.
وإن قلنا باستعماله في جميع العلماء فلا بدّ من الالتزام بنسخه بواسطة «لا تكرم الفسّاق» ، وهذا خلف ، فإنّا نبحث في التخصيص وهو عدم تعلّق غرض المولى بإكرام العالم الفاسق أصلا.
والنسخ وهو الظاهر من الدليل المنسوخ باستمرار الحكم وتحقّقه دائما ، ويستكشف من الدليل الناسخ توقيتيّته ، وأنّه كان ذا مدّة معيّنة ، ولم يذكر لنا مصلحة ، فلا مناص هنا إلّا من الالتزام بالمجازيّة.
والمحقّق الخراساني قدسسره (١) قائل بأنّه لا يستلزم المجازيّة مع تبعيّته للمشهور في معنى المجاز ، وبيانه هنا مع زيادة توضيح : أنّه يمكن الجمع بين الأمرين ، بأنّ المراد الجدّي للمولى مقيّد ومحدود بإكرام العلماء غير الفاسقين ، ومع ذلك استعمل كلمة «العلماء» في العموم ، فإنّ الإرادة على قسمين : استعماليّة وجدّية ، ويجوز استعمال اللفظ في العموم مع تعلّق الإرادة الجدّية بالخصوص ، والإرادة الاستعماليّة تدور مدار الاستعمال والتفهيم والتفهّم في عالم اللفظ.
إن قلت : ما فائدة التفكيك بين المراد الجدّي والاستعمالي في هذه الموارد؟ ولما ذا لا يقول من الابتداء : أكرم العلماء الموصوفين بعدم الفسق؟
وجوابه يحتاج إلى مقدّمة ، وهي : أنّه لا يكون للشارع في مقام جعل القانون طريق خاصّ غير ما هو المتداول بين العقلاء ، كما أنّه يكون كذلك في
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٣٣٦ ـ ٣٣٧.