مقام التفهيم والتفهّم أيضا ، فلا فرق في كيفيّة التقنين بين الشارع والعقلاء من حيث جعل القانون بصورة العام ، ثمّ إخراج بعض الموارد عنه بصورة التخصيص والتبصرة للمصالح أو المفاسد المقتضية لذلك.
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ فائدة جعل القانون بهذه الكيفيّة عبارة عن التمسّك بالعام في غير مورد التخصيص ، فلا يراد من استعمال العام في العموم إلّا تأسيس قاعدة يرجع إليها في ظرف الشكّ ، لا أنّ العموم مراد جدّي للمتكلّم ، وهذا مختصّ بمقام التقنين ، مع أنّه يتحقّق التناقض بين العام والخاص من حيث المنطق ، فإنّ نقيض الموجبة الكلّية هو سالبة جزئيّة ، كما أنّه يتحقّق التضادّ بينهما في مقام الإخبار.
وأمّا في مقام التقنين فيتحقّق بينهما الجمع الدلالي ، ولذا يصحّ تخصيص عمومات القرآن بخبر واحد معتبر ، فيصحّ التفكيك بين الإرادتين والمراد الجدّي والاستعمالي بهذا البيان.
ويتحقّق هذا المعنى في الأوامر الاختياريّة أيضا ؛ إذ لا شكّ في أنّ مراد الوالد ـ مثلا ـ من قوله : «ادخل السوق واشتر اللحم» هو معناه الحقيقي حين الاستعمال ، أي انبعاث ولده إلى المبعوث إليه ، مع أنّ مراده الجدّي هو الاختبار لا الانبعاث الحقيقي ، هذا توضيح كلام صاحب الكفاية قدسسره.
ولكن أشكل عليه المحقّق النائيني قدسسره (١) ثمّ ذكر طريقا آخر للتخلّص من المجاز ، وإشكاله : أنّ التفكيك بين الإرادة الجدّية والاستعماليّة ليس بصحيح ، فإنّ مراد المولى من قوله : «أكرم العلماء» إن كان العموم فاستعمل لفظ العام وأراد منه معناه الحقيقي ، فالمراد الجدّي والاستعمالي واحد ، وإن كان مراده
__________________
(١) فوائد الاصول ١ : ٥١٧.