تعلّقها بإكرام العدو بعد وروده على الإنسان وصيرورته ضيفا له ، فلا تكون له إرادة مطلقة في إكرام العدو حتّى تحرّكه إلى تحصيل عنوان الضيافة ، بل ربما يكون مجيئه مبغوضا له ، ولكن على فرض مجيئه تتعلّق به الإرادة ، فتكون إرادته بحسب اللبّ ومقام الثبوت مقيّدة بتحقّق الضيافة ، وتكون هي دخيلة في تحقّق الإرادة وتعلّقها بالإكرام ، ونظيره قول المريض المحتضر للطبيب : «إن كنت قادرا نجّني من الموت» ، فإنّ مراده ـ أي الشفاء والعلاج ـ مطلق ، ولكن علمه بعدم قدرة كلّ طبيب على المعالجة يقتضي أن تكون إرادته مقيّدة.
فتحقّق إلى هنا : أنّ القيود بحسب اللبّ على نوعين : يرجع بعضها إلى الهيئة وبعضها إلى المادّة ، وملاكهما عبارة عن أنّ القيود التي ترتبط بالإرادة بحسب مقام الثبوت ، فهي ترجع إلى الهيئة والحكم في مقام الإثبات ، والقيود التي ترتبط بالمراد في هذا المقام فهي ترجع إلى المادّة والمأمور به في ذاك المقام.
ولكن يظهر من كلام المحقّق العراقي قدسسره (١) قاعدة اخرى في الفرق بين نحوي القيدين ، ونذكره لتأييد ما ذكرناه من تنوّع القيود وإن كانت ضابطته قابلة للمناقشة كما سيأتي إن شاء الله ، وهو : أنّ القيود في دخلها في المصلحة على ضربين : إن كانت ممّا يتوقّف عليه اتّصاف المأمور به بكونه ذات مصلحة في الخارج ـ كالوقت والاستطاعة بالنسبة إلى الصلاة والحجّ ـ فهو من شرائط التكليف والوجوب ، وإن كانت ممّا يتوقّف عليه فعليّة المصلحة وحصولها في الخارج بمعنى أنّها لا تكاد تحصل إلّا إذا اقترن الفعل بتلك القيود والشرائط ـ كالطهارة والستر والاستقبال بالنسبة إلى الصلاة ـ فهو من شرائط الواجب والمكلّف به.
__________________
(١) نهاية الأفكار ١ : ٢٩٢ ـ ٢٩٥.