وهكذا على الاحتمال الخامس ، فإنّ المسكريّة تمام العلّة للحرمة في المثال ، ولا مدخليّة للخمريّة ولو بنحو الجزئيّة في العلّة ، والعلّة متضمّنة للكبرى الكلّيّة ـ أي كلّ مسكر حرام ـ والتعليل يغني المتكلّم عن التصريح به ، فنبيذ المسكر أيضا حرام ومخصّص لأدلّة الحلّيّة ، مثل : «كلّ شيء لك حلال» كالخمر المسكر.
ويبقى الاحتمال الرابع ، وهو ما يستفاد العقل من الأولويّة القطعيّة حكما من كلام المتكلّم ، مثل : استفادة حرمة الضرب والشتم من قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) بدون ارتباط هذا الحكم من حيث الدلالة باللفظ ، وهذا نظير حكم العقل بالملازمة بين وجوب ذي المقدّمة ووجوب المقدّمة ، فهل يمكن تخصيص العامّ بالحكم المستفاد من الأولويّة القطعيّة أم لا؟
وقال المحقّق النائيني قدسسره (١) : إنّه لا يمكن أن يكون المنطوق أجنبيّا عن العامّ وغير معارض له مع كون المفهوم معارضا له ، فالتعارض في المفهوم الموافق إنّما يقع ابتداء بين المنطوق والعامّ ، ويتبعه وقوعه بين المفهوم والعامّ ، ففي الأولويّة القطعيّة يدور الأمر مدار الأصالة والتبعيّة ، فإن كان المنطوق معارضا للعامّ ، فيتحقّق عنوان المخصّص له بالأصل وللمفهوم بالتبع ، ولا يمكن تحقّق هذا العنوان للمفهوم بدون المنطوق.
ولكن اعترض عليه بعض العلماء بأنّ الأمر يكون كذلك في أكثر الموارد ، إلّا أنّه يمكن الجمع بين كون المفهوم بمعنى الأولويّة القطعيّة وتعارض المفهوم مع العامّ بدون المنطوق في بعض الموارد ، كما إذا قال المولى : «لا تكرم العلماء» ، ثمّ قال بدليل آخر : «أكرم جهّال خدّام الفقهاء».
__________________
(١) فوائد الاصول ١ : ٥٥٦.