ومعلوم أنّه لا منافاة بين الدليلين ، ولا تعارض بينهما حتّى بنحو العامّ والخاصّ المطلق من حيث المنطوق ، ولكن تتحقّق الأولويّة في الدليل الثاني ؛ أوّلا : بأنّ الجهّال من خدّام الفقهاء إن كانوا واجبي الإكرام يكون علماؤهم بطريق أولى كذلك.
وثانيا : بأنّ خدّام الفقهاء إن كانوا واجبي الإكرام يكون الفقهاء كذلك بطريق أولى ، ولا شكّ في تعارض كلّ من المفهومين مع عموم «لا تكرم العلماء» ، وصلاحيّتهما لتخصيصه ، ويتحقّق هاهنا في بادئ النظر ثلاثة احتمالات : الأوّل : إنكار وجود المفهوم الموافق ؛ لعدم إمكان تخصيص العامّ المنطوقي به ، فليس له مفهوم أصلا.
الثاني : الإعراض عن المنطوق والمفهوم معا ، وفرض أنّه لم يصدر من المولى ؛ لعدم إمكان التفكيك بين المنطوق والمفهوم.
الثالث : الأخذ بهما وتخصيص العامّ به ، كما يؤيّده العرف والعقلاء بعد ملاحظة ملاكه ـ أي الأولويّة القطعيّة ـ وأنّ التخصيص لا يستلزم المجازيّة في العامّ ، فلا يكون إنكار المفهوم ، وإنكار المفهوم والمنطوق معا قابلا للالتزام ، فيجوز تخصيص العامّ بالمفهوم الموافق بهذا المعنى أيضا.
وأمّا البحث عن صلاحيّة المفهوم المخالف للتخصيص فيتوقّف على بيان امور بعنوان المقدّمة :
الأوّل : أنّ هذا البحث متمحّض في العامّ والمخصّص ، والبحث عن المطلق وتقييده بالمفهوم المخالف لا يرتبط بمحلّ النزاع ، ولذا لا يصحّ تمثيله بقوله عليهالسلام : «خلق الله الماء طهورا لا ينجّسه شيء» (١). وقوله عليهالسلام : «الماء إذا بلغ قدر كرّ
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٣٥ ، الباب ١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٩.