لا ينجّسه شيء» (١). ومفهومه : أنّ الماء إذا لم يبلغ قدر كرّ ينجّسه شيء أو كلّ شيء من النجاسات ، فإنّ لفظ الماء مفرد معرّف بلام الجنس ، ولا يكون من الألفاظ الدالّة على العموم ، بل هو مطلق ، ولا يكون مثالا لما نحن فيه.
وأمّا إذا قال المولى : «أكرم كلّ عالم» ، ثمّ قال بدليل آخر : «إن جاءك زيد فأكرمه» ، ومفهومه إن لم يجئك زيد فلا يجب إكرامه ، فهل هذا مثال لما نحن فيه أم لا؟
والتحقيق : أنّه تتحقّق في قوله : «أكرم كلّ عالم» خصوصيّتان : الاولى : خصوصيّة العامّي ، وهي مدلول كلمة كلّ عالم ، الثانية : خصوصيّة الإطلاقي ، أي سواء تحقّق المجيء أم لا.
ومعلوم أنّ دائرة العامّ من حيث السعة والضيق تابعة لدائرة المطلق ، فإن استفدنا من الإطلاق وجريان مقدّمات الحكمة أنّ مدخول كلمة «كلّ» عبارة عن نفس الطبيعة ، فتدلّ كلمة «كلّ» على أفراد هذه الطبيعة المطلقة ، ففي هذا المثال أيضا لا يكون تخصيصا للعامّ ، بل يكون المفهوم مقيّدا لإطلاق كلمة الكلّ.
وإن قلنا : لا ضرورة إلى جريان مقدّمات الحكمة والإطلاق للدلالة على العموم ، بل يستفاد من إضافة كلمة «الكلّ» إلى كلمة «العالم» الدالّة على جميع مصاديق هذه الطبيعة ، فعلى هذا يكون ذلك مثالا لما نحن فيه.
الأمر الثاني : أنّ النزاع في القضيّة الشرطيّة ـ كما مرّ ـ نزاع صغروي بمعنى أنّه هل يتحقّق لها مفهوم أم لا؟ وليس النزاع أنّ مفهومها حجّة أم لا ، والبحث فيما نحن فيه متفرّع على الالتزام بثبوت المفهوم لها ، فالقائل بجواز تخصيص
__________________
(١) المصدر السابق : ١٥٨ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.