الكلام في أنّ الخاصّ المتقدّم مخصّص للعامّ المتأخّر ، أو أنّ العام المتأخّر ناسخ للخاصّ المتقدّم بعد إمكان كليهما بحسب مقام الثبوت ؛ إذ الخاصّ لا يكون فاقدا لشرائط المخصّصيّة ، كما أنّ ناسخيّة العامّ لا تستلزم لغويّة جعل حكم الخاصّ.
وتظهر الثمرة بينهما حيث إنّه على الأوّل يكون الحكم المجعول في الشريعة المقدّسة هو حكم الخاصّ دون العامّ ، وكان مورد الخاصّ خارجا عن دائرة العامّ إلى الأبد ، وعلى الثاني ينتهي حكم الخاصّ بعد ورود العامّ ، فيكون الحكم المجعول في الشريعة المقدّسة بعد وروده هو حكم العامّ.
ويستفاد من كلام صاحب الكفاية قدسسره (١) أنّ الأظهر أن يكون الخاصّ مخصّصا ، وقال في وجه ذلك : أنّ كثرة التخصيص في الأحكام الشرعيّة حتّى اشتهر : «ما من عامّ إلّا وقد خصّ» وندرة النسخ فيها جدّا أوجبتا كون ظهور الخاصّ في الدوام والاستمرار ، وإن كان بالإطلاق ومقدّمات الحكمة أقوى من ظهور العامّ في العموم وإن كان بالوضع ؛ بمعنى أنّ ناسخيّة العامّ مستندة إلى جريان أصالة العموم في دليل العامّ ، ومخصّصيّة الخاصّ مستندة إلى جريان أصالة الإطلاق من حيث الزمان في دليل الخاصّ ، ولا شكّ في تقدّم أصالة العموم على أصالة الإطلاق قاعدة في موارد اخرى ، بخلاف ما نحن فيه ، بلحاظ مانعيّة كثرة التخصيص وقلّة النسخ عنه.
واشكل عليه : أوّلا : بأنّ هذا يرجع إلى أن يدلّ دليل خاصّ بالدلالة اللفظيّة على أصل الحكم ، وبالدلالة الإطلاقيّة على استمراره ودوامه ، وهذا أمر مستحيل ؛ ضرورة أنّ استمرار الحكم في مرتبة متأخّرة عن نفس الحكم ،
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٣٦٨ ـ ٣٧١.