الإكرام قبل تحقّق المجيء ، فلا معنى لوجوب المقدّمات أيضا ، إلّا أنّ المكلّف علم بتحقّق المجيء غدا ، وعلم أيضا امتناع تحصيل المقدّمات فيه عادة بلحاظ تعطيل السوق ، وحينئذ يلزمه العقل بتحصيل المقدّمات قبل فعليّة وجوب ذي المقدّمة ، فإنّ ذلك لا يكون عذرا له عند العقلاء لترك الإكرام في ظرفه.
الثانية : أنّ المرتكز في أذهاننا بما أنّنا متشرّعة أنّ ارتباط الوقت بالحجّ عين ارتباطه بالصلاة ، كما أنّ قبل تحقّق الوقت لا يكون تكليف بصلاة أصلا كذلك في الحجّ قبل تحقّق الوقت لا يوجد تكليف بحجّ أصلا ، فلا فرق بينهما في نحو الإضافة إلى الوقت ، ومعلوم أنّه لا معنى للواجب المعلّق في الصلاة.
إذا عرفت هذا فنقول : إنّما اخترع صاحب الفصول التقسيم المذكور في المقام لأنّه لاحظ المستطيع ورأى أنّه لو قلنا بعدم وجوب الحجّ بعد الاستطاعة ، وبتبعه قلنا بعدم وجوب تحصيل المقدّمات ينتهي إلى تفويت الحجّ على من كان في بلاد بعيدة ، ولذا قال : لا بدّ لنا من القول بفعليّة وجوب الحجّ بمجرّد الاستطاعة ووجوب تحصيل المقدّمات بتبعه من حينه ، مع أنّه لا إلزام في اختيار هذا القول.
وبعد التوجّه إلى المقدّمتين فإنّ الاستطاعة أحد الشرطين لوجوب الحجّ ، والشرط الثاني عبارة عن الوقت ، فلا يتحقّق الوجوب قبل تحقّق الوقت أصلا ، ولمّا كان الوقت بلحاظ كونه قطعي التحقّق ـ بخلاف الاستطاعة ـ يكون المكلّف ملزما من جهة العقل بتحصيل المقدّمات بمجرّد الاستطاعة ، مع أنّ الحجّ لا يجب قبل الموسم ، وهو توهّم أنّ طريق حلّ الإشكال منحصر بالالتزام بهذا التقسيم ، والحال أنّه لا ضرورة تقتضي لذلك بعد وجود طريق آخر لحلّه كما بيّناه.