ولا يخفى أنّ جميع الإشكالات المذكورة على التقسيم المذكور مشتركة في جهة واحدة ، وهي عبارة عن عدم ادّعاء استحالة الواجب المعلّق في كلام المستشكلين ، بل يستفاد من تعبيراتهم إمكان تحقّقه كما لا يخفى.
البحث في إمكان الواجب المعلّق واستحالته :
قال جماعة من المحقّقين الاصوليّين باستحالته ، ومنهم المحقّق الأصفهاني قدسسره (١) في حاشيته على الكفاية ، ولكن لا بدّ لنا قبل الخوض في هذا البحث من مراجعة الوجدان بعد التوجّه إلى الإلزامات المعمولة بين العقلاء ، فإنّا حين ملاحظة الإرادة التكوينيّة والتشريعيّة لا نرى من الاستحالة فيها أثر ولا خبر ؛ إذ المراد المربوط بالإرادة التكوينيّة قد يكون أمرا فعليّا ، مثل إرادة القعود حين القيام ، وهو يتحقّق بمجرّد تحقّق الإرادة ، وقد يكون أمرا استقباليّا ، مثل إرادة الحضور في جلسة الدرس غدا وإرادة إتيان صلاة المغرب ، ومعلوم أنّ تحقّقه يتوقّف على مضي الزمان ، مع أنّ تحقّق حقيقة الإرادة في كلا الموردين لا يكون قابلا للإنكار وجدانا.
وهكذا في الإرادة التشريعيّة إذا لاحظنا أوامر الآباء بالنسبة إلى الأبناء وأوامر الموالي بالنسبة إلى العبيد ، فنرى أنّ المبعوث إليه قد يكون أمرا فعليّا ، وقد يكون أمرا استقباليّا كقولنا : «سافر غدا» و «ادخل السوق» و «اشتر اللحم ساعة اخرى» ، والوجدان أقوى شاهد على عدم استحالة هذه الأوامر وأن يكون الوجوب فعليّا ومطلقا والواجب استقباليّا ومقيّدا بمعنى زمان خاصّ ، فيكون الواجب المعلّق من حيث الإمكان مسألة وجدانيّة.
وما قال به المحقّق الأصفهاني قدسسره من استحالته ينقسم إلى قسمين : قسم منه
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ : ٧٣ ـ ٧٩.