الانبعاث نفس البعث ـ كما قال به استاذنا السيّد الإمام قدسسره ـ بل المؤثّر فيه الخوف من المؤاخذة والعقاب أو الطمع في الثواب ؛ إذ العباد نوعا ما يعبدون الله خوفا من النار أو طمعا في الجنّة إلّا القليل من الأولياء والصلحاء ، كما نقل عن أمير المؤمنين عليهالسلام : «ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك» (١) فلا دخل للبعث في الانبعاث إلّا في جعل الموضوع للإطاعة والعصيان ، وهكذا في أوامر الموالي العرفيّة.
وثانيا : مع قطع النظر عمّا ذكرناه وبعد كون التقارن الزماني بين العلّة والمعلول ممّا لا شبهة فيه يرد عليه ما في الكفاية ، من أنّه لا بدّ من الالتزام بالانفكاك بين البعث والانبعاث حتّى في صورة تحقّق الانبعاث عقيبه ؛ لأنّ البعث إنّما يكون لإحداث الداعي للمكلّف إلى المكلّف به ، وهذا لا يمكن إلّا بعد تصوّر الأمر وما يترتّب على موافقته من المثوبة وعلى تركه من العقوبة ، ولا يكاد يكون هذا إلّا بعد البعث بزمان ، فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخّر عنه بالزمان ولا يتفاوت طوله وقصره فيما هو ملاك الاستحالة والإمكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب ، وهو تخلّف الانبعاث عن البعث وعدمه ، فإن كان مستحيلا فلا فرق في الاستحالة بين المعلّق والمنجّز ، وإن كان ممكنا فكذلك أيضا.
وثالثا : لو سلّمنا أنّه لا يجوز الانفكاك بين البعث والانبعاث ، ولكن ليس معناه التقارن بينهما من حيث الوجود بلا فصل بحيث إن تعلّق غرض المولى يتحقّق المبعوث إليه غدا ، بل معناه أنّ المبعوث إليه إن كان هو السفر في الغد فلا بدّ من تحقّقه غدا ، وإن كان هو السفر في الحال فلا بدّ من تحقّقه في الحال ،
__________________
(١) البحار ٧٠ : ١٨٦.