كان التقييد الذي لا يوجب بطلان الآخر أولى ، أمّا الصغرى فلأجل أنّه لا يبقى مع تقييد الهيئة محلّ حاجة وبيان لإطلاق المادّة ؛ لأنّها لا محالة لا تنفكّ عن وجود قيد الهيئة ، فإنّ وجوب الإكرام ـ مثلا ـ إذا قيّد بمجيء زيد فلا يبقى للمادّة ـ وهي الإكرام ـ إطلاق ؛ إذ الإكرام قبل المجيء ليس بواجب ، فدائرة الواجب تتضيّق قهرا بتقيّد الوجوب ، بخلاف تقييد المادّة فإنّ محلّ الحاجة إلى إطلاق الهيئة على حاله ، فيمكن الحكم بالوجوب على تقدير وجود القيد وعدمه ، أي قبل تحقّق المجيء وبعده.
وأمّا الكبرى فلأنّ التقييد وإن لم يكن مجازا إلّا أنّه خلاف الأصل ، ولا فرق في الحقيقة بين تقييد الإطلاق وبين أن يعمل عملا يشترك مع التقييد في الأثر وبطلان العمل بالإطلاق.
والحاصل : أنّ تقييد الهيئة يستلزم ارتكاب خلافي الظاهر ، وتقييد المادّة يستلزم ارتكاب خلاف ظاهر واحد ، ولا ريب في تقدّم الثاني على الأوّل.
وجوابه : ما يستفاد من ذيل كلام المحقّق الخراساني قدسسره من أنّ القيد إمّا متّصل وإمّا منفصل ، فإن كان متّصلا ـ كما في مثل : «إن جاءك زيد فأكرمه» ـ فلا ينعقد إطلاق لا للهيئة ولا للمادّة ؛ لاحتفافهما بما يصلح للقرينيّة ، وقد قرّر في محلّه أنّ البيان وكذا نصب القرينة لتقييد المراد مانع من جريان مقدّمات الحكمة ، فلا مجال للإطلاق والتقييد في القيد المتّصل أصلا ، كما أنّه لا مجال لهما في قول المولى : «اعتق رقبة مؤمنة».
وإذا قيل : إنّه لا يجوز المقايسة بين ما نحن فيه وهذا المثال ؛ إذ لا شكّ هاهنا في رجوع قيد الإيمان إلى الرقبة ، بخلاف مثل : «إن جاءك زيد فأكرمه» ؛ إذ يحتمل فيه رجوع القيد إلى المادّة ، ويحتمل رجوعه إلى الهيئة ، وفي الصورة