فإذا كان شيء من هذا الدّعاء ، حذفت منه الياء ، نحو (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) (١٦) [الزمر] و (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) [يوسف : ١٠١] و (رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ) (٩٣) [المؤمنون].
ومن العرب من يحذف هذه الياءات في الدّعاء وغيره ، من كلّ شيء (١). وذلك قبيح ، قليل ، إلّا ما في رؤوس الآي ، فإنّه يحذف الوقف ، كما تحذف العرب في أشعارها من القوافي ، نحو قول طرفة بن العبد [من الطويل وهو الشاهد الرابع والأربعون] :
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا |
|
حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض (٢) |
وقوله (٣) [من الوافر وهو الشاهد الخامس والأربعون] :
ألا هبّي بصحنك فاصبحينا |
|
ولا تبقي خمور الأندرين (٤) |
هذا إذا وقفوا ، فإذا وصلوا قالوا : «من بعضي» و «الأندرينا» ، وذلك في رؤوس الآي كثير ، نحو قوله تعالى (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) [ص : ٨] و (إِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (٤١). فإذا وصلوا أثبتوا الياء. وقد حذف قوم الياء في السكوت والوصل وجعلوه على تلك اللغة القليلة ، وهي قراءة العامّة ، وبها نقرأ ، لأنّ الكتاب عليها.
وقد سكت قوم بالياء ووصلوا بالياء (٥) ، وذلك على خلاف الكتاب ، لأنّ الكتاب ليست فيه ياء ، وهي اللغة الجيّدة (٦). وقد سمعنا عربيّا فصيحا ينشد [من الطويل وهو الشاهد السادس والأربعون] :
فما وجد النّهديّ وجدا وجدته |
|
ولا وجد العذريّ قبل جميل (٧) |
يريد «قبلي» فحذف الياء. وقد أعمل بعضهم «قبل» ، إعمال ما ليس فيه ياء ،
__________________
(١). هي لغة هذيل البحر ٥ : ٢٦١ ، اللهجات العربيّة ٥٤٩ و ٥٥٠.
(٢). ديوانه ١٧٢ ، ومجاز القرآن ٢ : ٣ ، والكتاب ١ : ١٧٤ ، والكامل ٢ : ٥٤٩.
(٣). هو عمرو بن كلثوم التغلبي.
(٤). البيت هو مطلع معلّقته المشتهرة. ويمكن الرجوع فيه إلى كل شروح المعلّقات المختلفة.
(٥). هي قراءة يعقوب ، واللهجات العربيّة ٥٥١.
(٦). هي لغة الحجاز ، اللهجات العربية ٥٥٠.
(٧). ورد في الإنصاف ٢ : ٢٨٣ ، والهمع ، ١ : ٢١٠ والدرر ١ : ١٧٦ بلا عزو.