سلّمنا ، ولكن ذلك ظنّ مخصوص ،
______________________________________________________
نعم ، يجوز للحكيم : ان يكون لكلامه ظاهر وهو لا يريده ، لكنه ينصب قرينة على الخلاف ، والقرآن الحكيم لم ينصب على خلاف ظواهره دليلا ، الّا في المقيدات ، والمخصّصات ، وما أشبه.
مثلا : نقطع من قوله سبحانه : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ...)(١) ، وجوب الصلاة ، لأن الأمر ظاهر في الوجوب وكذلك وجوب الزكاة ، ومن قوله سبحانه :
(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ، إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً ...)(٢) ، حرمة الزنا ، الى غير ذلك ، فانّ العقلاء يقولون : انّ الله سبحانه وتعالى الحكيم ، لما أمر ونهى ، ولم يقم قرينة على ان أمره يراد به : الاستحباب ، أو انّ نهيه يراد به : الكراهة ، أو انهما في مقام الحضر ، ونحوه ، مما لا يفيد حتى الاستحباب ، مثل قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا)(٣) ، كان لا بد وان يريد الحكيم سبحانه وتعالى ، الظواهر بوجوب الصلاة والزكاة ، وحرمة الزنا ونحوه.
(سلمنا) عدم حصول القطع من ظواهر الكتاب ، وذلك لاحتمال غفلتنا عن القرينة ، بأن كانت القرينة موجودة ، لكنها اختفت علينا ، لأن القرينة كانت مقامية ، ولم تكن لفظية حتى تكون مذكورة ، كما في قوله سبحانه : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)(٤) ، حيث كانت القرينة فيها مقامية ، لان المشركين كانوا قد نصبوا على الجبلين صنمين ، فزعم المسلمون انه يحرم الطواف بهما.
(ولكن ذلك) الظنّ الحاصل من ظواهر الكتاب ، وان لم نقل بالمقدّمة الخارجيّة المتقدّمة(ظنّ مخصوص) وليس من الظنون العامّة ، التي يظنّ بها
__________________
(١) ـ سورة البقرة : الآية ٤٣.
(٢) ـ سورة الاسراء : الآية ٣٢.
(٣) ـ سورة المائدة : الآية ٢.
(٤) ـ سورة البقرة : الآية ١٥٨.