ولم يكن لله على غير النّاظر حجّة.
ولذا خصّوا النّزاع في الحظر والإباحة في غير المستقلات العقليّة بما كان مشتملا على منفعة ، وخاليا عن أمارة المفسدة ، فانّ هذا التقييد يكشف عن أنّ ما فيه أمارة المضرّة لا نزاع في قبحه.
______________________________________________________
ولا يصومون الأيّام المستحبّة ، مع كثرة الثّواب عليهما ، مع إنّهم لا يتركون الفرائض ويصومون شهر رمضان ، لأنّ في تركهما العقاب.
(ولم يكن لله على غير الناظر حجّة) لأنّ الله تعالى إذا قال للنّاس : لما ذا لم تصدّقوا الأنبياء؟ قال النّاس : لأنّا كنّا نشكّ في صدقهم ، فيقول الله لهم ، ألا أنّكم كنتم تحتملون الضّرر في ترك تصديقهم والنّظر في معجزتهم ، ودفع الضّرر المحتمل بحكم عقولكم واجب ، فإذا لم يكن دفع الضّرر المحتمل بحكم العقل واجبا ، لم يكن لله أن يحتج عليهم.
(ولذا) أي : لأجل هذا الّذي ذكرناه : من وجوب دفع الضّرر المحتمل عقلا (خصّوا) أي : العلماء (النّزاع في الحظر والإباحة : في غير المستقلات العقليّة) فان هناك نزاعا بين العلماء في انّ الأصل في الأشياء : هل هو لمنع من استعماله وتناوله ، أو : الإباحة؟.
لكن هذا النّزاع في غير المستقلات العقليّة أمّا في المستقلّات العقليّة ، فلا نزاع ، إذ العقل مستقل بانّ إحراق الغابات ، وقتل الحيوانات المفيدة اعتباطا محظور ، كما إنّه مستقل بأنّ سدّ الرّمق من الطعام والماء مباح.
فإنّهم خصّوا هذا النّزاع (بما كان مشتملا على منفعة ، وخاليا عن أمارة المفسدة ، فإنّ هذا التّقييد) بكونه خاليا عن أمارة المفسدة (يكشف عن انّ ما فيه أمارة المضرّة لا نزاع في قبحه) بينهم ، فإنّ ارتكابه قبيح.