فان قلت : إذا فرضنا قيام أمارة غير معتبرة على الحرمة فيظنّ الضرر فيجب دفعه
______________________________________________________
العقل والشرع ذلك الضرر.
ومن الواضح : ان المصالح المنطبقة على الأضرار الجابرة لها ، قد يدركها العقل من دون حاجة الى تذكر الشرع ، كشرب المسكر للتداوي في الأمراض المهلكة ونحوها ، وقد لا يدركه الّا بتذكير الشرع مثل : اذن الشرع بارتكاب الشبهة مستندا الى قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (١) والى قوله سبحانه : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢) وما أشبه ذلك.
هذا ، ولكنّ الكلام الآن في الثبوت لا في مقام الاثبات.
ثمّ انّ المصنّف ذكر أوّلا : عدم لزوم دفع الضرر المشكوك ، وبعدها أنصف وقال : «لكن الانصاف وجوب دفع الضرر المشكوك» ثم عدل الآن الى بيان وجه آخر للكلام الأول وانه لا يلزم دفع الضرر المشكوك ، فأشار اليه بقوله :
(فان قلت :) : أن الضرر المظنون ولو بظن غير معتبر ، واجب الدفع ، وحيث ان حال الشك حال الظنّ ، فاللازم أن يكون الضرر المشكوك واجب الدفع أيضا ، فانه (اذا فرضنا قيام أمارة غير معتبرة) كالخبر الواحد (على الحرمة ، فيظن الضرر ، فيجب دفعه) كما إذا قام شاهد واحد بأن هذا الإناء خمر وظنّنا صحة قوله ، فانّه لا يلزم الاجتناب عنه شرعا ، لأنّ الموضوعات تحتاج في اثباتها الى شاهدين ، والمفروض انّه شاهد واحد ، فلا يكون قوله حجّة في كونه خمرا ، لكن مع ذلك يجب الاجتناب عن هذا الاناء من جهة الظن بالضرر.
__________________
(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٨٥.
(٢) ـ سورة الحج : الآية ٧٨.