إلّا أنّ الحمل على التقيّة في مقام الترجيح لا يكون إلّا مع موافقة أحدهما ، إذ لا يعقل حمل أحدهما بالخصوص على التقيّة وإن كانا مخالفين لهم ،
______________________________________________________
على ما ادّعاه سليمة عن المعارض.
وإنّما تصوّر صاحب الحدائق مثل خبر زرارة سليما عن المعارض ، لأنّ ما دلّ على حمل الخبر الموافق للعامّة في المتعارضين على التقيّة ، لا ينافي وجود التقيّة فيما كان الخبران معا مخالفين لهم ، فانّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه ، فالتقيّة ، كما تكون في الخبر الموافق للعامّة ، فكذلك تكون في الخبر المخالف لهم ، الملقى لأجل اختلاف كلمة الشيعة.
وعليه : فإنّ صاحب الحدائق لم يشترط في التقيّة موافقة الخبر للعامّة فصار محلا للاعتراض عليه بأنّ التقيّة من المرجّحات ، فإذا كان الخبران معا مخالفان للعامّة ، فكيف نحمل أحدهما على التقيّة؟ فأجاب المصنّف بالفرق بين مقام التقيّة ، وبين مقام الترجيح ، فانّ التقيّة تكون في الموافق والمخالف ، بينما الترجيح مختص بالأوّل كما قال : فانّه وان لم يشترط في مقام التقيّة الموافقة (إلّا انّ الحمل على التقيّة في مقام الترجيح لا يكون إلّا مع موافقة أحدهما) للعامّة ومخالفة الآخر لهم (إذ لا يعقل حمل أحدهما بالخصوص على التقيّة) حتّى (وان كانا مخالفين لهم) أي : حتّى وإن كان الخبران المتعارضان مخالفين معا للعامّة.
إذن : فصاحب الحدائق إنّما يحمل الخبر على التقيّة إذا كان أحد المتعارضين موافقا للعامّة ، لا ما إذا كان كلا المتعارضين مخالفين للعامّة ، فانّ في صورة مخالفة الخبرين معا للعامّة يتساويان في احتمال التقيّة ، فلا يعقل حمل أحدهما المعيّن على التقيّة ، كما لا يعقل حمل أحدهما المردّد على التقيّة.