ويسعون في الأرض فسادا حيث قررت عقوبة من يقدم على ذلك الجرم الفظيع القتل أو الصلب أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض ، بالإضافة إلى العذاب العظيم الذي سينالهم في الآخرة. مع استثناء الذين يتوبون قبل القدرة عليهم والتمكن منهم حيث يمكن أن ينالهم الله بغفرانه ورحمته.
ولقد روى المفسرون (١) روايات عديدة كسبب لنزول الآيتين. منها أنها نزلت في قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين النبي صلىاللهعليهوسلم عهد وميثاق فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض فخيّر الله رسوله معاقبتهم بالعقوبات المذكورة في الآية الأولى. ومنها أنها نزلت في المشركين عامة. ومنها أنها نزلت في رهط من عكل وعرينة أسلموا وأقاموا في المدينة ثم جاءوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا له إنهم استوخموا الهواء فأعطاهم ذودا من إبل مع رعاته وأذن لهم بالنزول خارج المدينة وشرب ألبان الإبل فلما خرجوا قتلوا الرعاة وفي رواية سملوا عيونهم ثم قتلوهم واستاقوا الإبل وارتدوا إلى الكفر فأرسل النبي صلىاللهعليهوسلم خيلا وراءهم فأسروهم وأتوا بهم إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل عيونهم وتركهم في الحرّة حتى هلكوا وفي رواية أنه أحرقهم بالنار. وهذه الرواية من مرويات البخاري بخلاف يسير (٢). ومنها أنها نزلت في قوم هلال بن عويمر الذي وادع النبي صلىاللهعليهوسلم باسم قومه أن لا يعتدوا على أحد من المسلمين. أو على أحد يريد الإسلام. فمرّ بهم قوم من بني كنانة يريدون الإسلام فشدوا عليهم وقتلوهم وأخذوا أموالهم. وهناك رواية يرويها الطبري والبغوي ـ ويعزوها الأخير إلى الليث بن سعد ـ أن الآية نزلت عتابا للنبي صلىاللهعليهوسلم بعد تنكيله برهط عكل وعرينة على تسميله أعينهم ولتحديد عقوبة أمثالهم
__________________
(١) انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.
(٢) انظر التاج ج ٤ ص ٩٠ ـ ٩١. (وهذه صيغة الحديث منقولة من التاج) عن أنس «قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمر لهم النبي بلقاح ليشوبوا من ألبانها وأبوالها ، فانطلقوا بها فلما صحّوا قتلوا راعي النبي واستاقوا الإبل فجاء الخبر إلى النبي في أول النهار فبعث في آثارهم فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وألقوا في الحرة يستقون فلا يسقون حتى ماتوا. قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا وقتلوا أو كفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله».