وروى عن قتادة أنها عقود المحالفات في الجاهلية وأن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقول : أوفوا بعقد الجاهلية ولا تحدثوا عقدا في الإسلام. وروى لتأييد ذلك أن فرات بن حيان العجلي سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن حلف الجاهلية فقال له : لعلك تسأل عن حلف لخم وتيم الله. قال : نعم. قال : لا يزيده الإسلام إلّا شدة. وروى عن ابن زيد أن العقود المأمور بالوفاء بها في الآية هي عقد النكاح وعقد الشركة وعقد اليمين وعقد العهد وعقد الحلف. وروى قولا لآخرين لم يسمهم أنها أمر موجه لأهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به الله عليهم من ميثاق بالعمل بما في التوراة والإنجيل من تصديق النبي صلىاللهعليهوسلم.
وما عدا القول الأخير الذي يبدو غريبا لأن الخطاب في الآية موجه إلى المسلمين فإن الأقوال الأولى مما تتحمله العبارة القرآنية. وقد قال الطبري إن أولى الأقوال بالصواب هو قول ابن عباس.
ولم تخرج أقوال المفسرين عن نطاق ما أورده الطبري الذي استوعب جميع الأقوال في صدد الجملة.
على أنه يتبادر لنا على ضوء الآية الثانية على ما سوف نشرحه بعد أنها في صدد الأمر باحترام عقد صلح الحديبية.
وإن كان إطلاق العبارة يجعلها شاملة لكل عقد مشروع بين الناس ثم لكل ما صار بمثابة عقد بين الله والمسلمين بعد إذ آمنوا برسالة النبي صلىاللهعليهوسلم وما نزل عليه.
وواضح أن الجملة بذلك قد انطوت على تلقين جليل مستمر المدى بوجوب احترام المسلمين لعقودهم وعهودهم مع الله ومع الناس في كل ظرف وعدم الإخلال بها في أي حال. وهو ما تكرر تقريره بأساليب متنوعة وفي سور عديدة مكية ومدنية بحيث يصح أن يقال إنها من أهم المبادئ القرآنية المحكمة (١).
__________________
(١) انظر آيات سورة البقرة [٢٧ و ٤٠ و ١٧٦] وآل عمران [٧٦] والأنعام [١٥٢] والرعد [٢٢] والنحل [٩١ و ٩٥] والإسراء [٣٤] والمؤمنون [٨] والأحزاب [٢٣] والفتح [١٠] والمعارج [٣٢].