من خلاف ونزاع وفي صدد تقرير احتواء التوراة والإنجيل أحكاما ربانية صالحة للفصل فيما يقوم بين النصارى وبين اليهود الذين يظلون على يهوديتهم ونصرانيتهم من مثل ذلك. وبحيث يبدو من هذا أنه ليس من نقض ولا عدول فيها عن دعوة القرآن لليهود والنصارى إلى الإيمان برسالة النبي صلىاللهعليهوسلم واتباع ما أنزل الله عليه من شرائع وأحكام. ولا سيما أن هذه الدعوة ظلت تتكرر بدون فتور في القرآن المكي والقرآن المدني وظل القرآن المكي والقرآن المدني يشير إلى انحرافهم عن دينهم وميثاق الله الذي أخذه منهم وتحريفهم لكتبهم ويندد بهم ويجدد الدعوة لهم كما ظل يسجل أثرها الإيجابي والسلبي في اليهود والنصارى على ما نبهنا عليه وأوردنا شواهده في مناسبات عديدة في سور سبق تفسيرها وفي آيات من هذه السورة سابقة أيضا.
وبطبيعة الحال إن تقرير صلاحية أحكام التوراة والإنجيل لحلّ ما يتكون من قضايا بين اليهود وبين النصارى الذين يبقون على دينهم ينطوي على إقرار حرية ممارسة هذه الأحكام وحرية ممارسة الطقوس الأخرى كاملة لليهود والنصارى بصفة خاصة في نطاق السلطان الإسلامي مع التذكير بما نبهنا عليه قبل من أن جمل (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ). و (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). و (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) تنطوي على تلقين بحقّ السلطان الإسلامي بإجبارهم على التحاكم والعمل بمقتضى تلك الأحكام.
أما إذا أرادوا التقاضي لدى القضاء الإسلامي فالآيات صريحة النصّ بأن الحكم عليهم يكون وفاق أحكام الشريعة الإسلامية. وهذا وذاك مما جرى عليه منذ العهد النبوي وفيه من الحق والعدل والتلقين الجليل ومنح الحرية لمن يدخل في ذمة السلطان الإسلامي وعهده أو ضمن رعويته من النصارى واليهود ما هو واضح.
هذا ، وفي الآيات أمران يجدر لفت النظر إليهما بنوع خاص. الأول التنبيه والتوكيد على النبي صلىاللهعليهوسلم بوجوب التزام ما أنزل الله والحكم به لا غير. وعدم اتباع