بدر فلما كان بحرّة الوبرة أدركه رجل يذكر بالجرأة والنجدة ففرح به الأصحاب فقال للنبي جئت لأتبعك وأصيب معك. فقال تؤمن بالله ورسوله قال لا. قال فارجع فلن أستعين بمشرك ثم مضى. حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فردّ عليه النبي كالمرة الأولى ثم رجع فأدركنا بالبيداء فقال كالأول فقال له النبي تؤمن بالله ورسوله. قال نعم فقال له انطلق» (١).
ويتبادر لنا أن الموقف في ذلك الظرف موقف خاص ومختلف عما نذكره. فالمشركون كانوا جميعهم جاهزين للرسالة النبوية وكثير منهم في موقف عدائي صريح لها. والإسلام في أول عهده. والقرآن يشنّ أعنف حملة على الشرك والمشركين وقد كان هدف الرجل الغنيمة فقط على أحسن الفروض الظاهرة.
وقد فعل النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك في مواقف أخرى. فقد عاهد اليهود حينما قدم إلى المدينة لأول مرة. ونصّ الفقرة المتعلقة بهم في كتاب الموادعة الذي كتبه دستورا للعهد الجديد الذي بدأ تحت قيادته صريح فإنه في مثابة حلف حربي حيث جاء في الكتاب المذكور «وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ولليهود دينهم وللمسلمين دينهم. وإن بينهم النصر على ما حارب أهل هذه الصحيفة. وإن بينهم النصح والنصيحة والبرّ دون الإثم» (٢). وبعد انعقاد صلح الحديبية بين النبي وقريش دخل بنو خزاعة كطرف مع النبي وصاروا حلفاء له ولم يكونوا مسلمين. هذا فضلا عما كان يبرمه النبي مع مشركين وكتابيين من مواثيق وعهود سلمية بدءا أو بعد حرب مما احتوت صورا كثيرة منه كتب السيرة ومما أشارت إليه بعض آيات القرآن إشارات مقتضبة (٣).
ومن باب أولى أن يقال إنه ليس من تعارض بين النهي المنطوي في الآيات
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ٣٢١.
(٢) انظر ابن هشام ج ٢ ص ١١٩ ـ ١٢٣.
(٣) ابن سعد ج ٢ ص ٢٥ ـ ٥٦ و ١١٩ وج ٣ ص ٢١٨ ـ ٢٢١ و ٣٣٩ وابن هشام ج ٣ ص ١٦٩ ـ ٢٢١ وآيات النساء [٩٠ و ٩٢] والأنفال [٥٥ و ٧٢] والتوبة [٥ و ٧].