الآيات التالية تأييدات صريحة لهذا المعنى كما أن آيات عديدة في السور السابقة احتوت مثل ذلك (١).
وهذه ثالث مرة ترد فيها الإشارة إلى مسخ بعض اليهود. غير أنها تذكر مسخهم قردة وخنازير في حين أن المرتين الأوليين في سورتي البقرة والأعراف ذكر فيهما المسخ قردة فقط. وليس في هذا تناقض أو تعديل جديد مما قد يرد على الوهم. فالإشارة القرآنية هنا وفي المرتين السابقتين لم تستهدف ذكر الحادث تاريخيا وقصصيا. وإنما استهدفت التنديد باليهود وتذكيرهم بحادث نكال وخزي رباني في بعض بني قومهم. وروحها تلهم أنهم كانوا يتناقلون خبر هذا الحادث وأن في هذا الخبر خبر مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير في آن واحد. والآيات القرآنية تتلى علنا ولم يرو أن اليهود أنكروا ذلك. ولقد أورد المفسرون روايات عن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتابعيهم في أسباب وكيفية مسخ فريق من اليهود قردة وخنازير في دور من أدوار تاريخهم في سياق هذه الآيات كما أوردوا مثل ذلك في سياق المرات السابقة مما يدل على أن ذلك كان متداولا في بيئة النبي صلىاللهعليهوسلم : والمتبادر أن ذلك مقتبس من اليهود. ولقد علقنا على الحادث بذاته في سياق سورة الأعراف بما فيه الكفاية فلا نرى محلا للزيادة أو الإعادة.
أما عبادة الطاغوت فتوجد في أسفار عديدة من أسفار العهد القديم المتداولة اليوم إشارات كثيرة جدّا إلى ما كان من انحراف بني إسرائيل عن التوحيد وعبادتهم العجل والبعل وغيره من آلهة المصريين والكنعانيين والعمونيين والمؤابيين والفينيقيين وتقديمهم القرابين لها وتنديد الله تعالى بهم وإنذاراته القارعة لهم بواسطة الأنبياء ونكال الله فيهم وتسليطه أعداءهم عليهم بسبب ذلك. وهذا مبثوث في أسفار القضاة ويشوع وصموئيل والملوك وأخبار الأيام من أسفار العهد القديم بكثرة تغني عن التمثيل. وبذلك يستحكم في بني إسرائيل التنديد القرآني الذي يأتي هنا مكررا حيث ندد فيهم من أجل ذلك في آيات عديدة في سورة البقرة التي مرّ
__________________
(١) اقرأ تفسير آيات البقرة [٧٦ و ٨٨ ـ ٩١] وآل عمران [٧١ و ٩٨ ـ ١٠٠ و ١١٩].