يتناسب هذا الأسلوب مع فكرة ونتائج إرسال الرسل والكتب إلى أولئك الملوك والأمراء ودعوتهم. والله تعالى أعلم.
ولقد ورد في فصل التفسير في كتب البخاري ومسلم والترمذي حديثان في سياق تفسير هذه الآية رأينا أن نوردهما بدورنا على هامش تفسيرها. أحدهما رواه البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة قالت «من حدّثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل عليه فقد كذب والله يقول (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)» (١) وثانيهما رواه الترمذي عن عائشة أيضا قالت «كان النبي صلىاللهعليهوسلم يحرس حتى نزلت (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فأخرج النبي رأسه من القبّة فقال لهم يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله» (٢).
وفي الحديث الأول توضيح وتوكيد لمعنى جوهري وأصلي في العصمة النبوية بحيث يجب على كل مسلم أن يؤمن بأن النبي صلىاللهعليهوسلم قد بلّغ كل ما أنزل إليه من ربّه. وفي الحديث الثاني صورة رائعة لعمق إيمان النبي صلىاللهعليهوسلم بربّه وبما ينزله عليه. وتطبيق للآية الكريمة.
ولقد روى مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد الله أن النبي صلىاللهعليهوسلم خطب خطبة طويلة في حجة الوداع التي مات بعدها بنحو ثمانين ليلة فقال فيما قال «قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا. كتاب الله. وأنتم تسألون عني. فما أنتم قائلون. قالوا نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهمّ اشهد. ثلاث مرات» (٣) حيث ينطوي في هذا كذلك عمق إيمان النبي صلىاللهعليهوسلم برسالته ومسؤوليته عنها تجاه الله عزوجل وحرصه على استشهاد جمهور المسلمين في موقف حافل جامع على أنه قد بلّغ رسالة ربه.
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ٩٢.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) من خطبة حجة الوداع انظرها في التاج ج ٢ ص ١٤٠ ـ ١٤٥. ولقد أورد ابن هشام خطبة حجة الوداع وفيها زيادة بعد جملة (كتاب الله) وهي (سنّة نبيه) انظر ج ٤ ص ٢٧٢ وما بعدها.