ومن الجدير بالذكر أن الأناجيل المتداولة اليوم والتي يعترف بها النصارى قد احتوت أقوالا كثيرة منسوبة إلى المسيح فيها مصداق لما جاء في الآيات من حيث كونه بشرا وابن الإنسان ومن حيث إنه كان يدعو إلى الله ويصفه بأنه ربّه وربّ كل الذين يخاطبهم وربّ الناس. وقد أوردنا طائفة من هذه الأقوال في سياق تفسير سورة مريم فلا نرى حاجة إلى التكرار إلا أن نقول إنه من وجهة النظر الإسلامية أن ما يعزى في الأناجيل المتداولة إلى عيسى عليهالسلام من أقوال فيها ما يمكن أن لا يتطابق مع القرآن في هذه الآيات وفي غيرها صراحة أو تأويلا من كون المسيح بشرا كسائر البشر ولد بمعجزة ورسولا كسائر الرسل دعا إلى الله وحده وكون الله عزوجل واحدا لا شريك له ولا ولد ولا يقبل التعدد والتجزؤ هو منحول أو محرف عن أصله الحقّ. ومن الجدير بالتنبيه أن الروايات القديمة ذكرت أن من رجال المذاهب النصرانية في القرون النصرانية الأولى من كان يعتقد ويقول ببشرية عيسى عليهالسلام وكونه رسولا ونبيّا وحسب ، وينكر ألوهيته وألوهية أمه (١).
وذكر أمّ المسيح ووصفها بالصدّيقة متصلان كما هو المتبادر بعقيدة اليهود والنصارى فيها. فالأولون بهتوها وقذفوها كما حكته الآية [١٥٩] من سورة النساء وأوردنا في سياق ما يروجونه من روايات قديمة (٢). ومن الآخرين من ألّهها وعبدها كما هو مأثور في الروايات التاريخية (٣) بل وقائم إلى الآن عند بعض الطوائف النصرانية. فالإشارة القرآنية هي بسبيل الردّ على هؤلاء وهؤلاء ووضع أم المسيح في موضعها الحقّ من كونها مؤمنة مخلصة لله طاهرة من الدنس وكون الله قد جعلها محلّ عنايته وبركته واصطفاها لمعجزة ولادة المسيح بدون مسّ رجل على ما جاء في آيات آل عمران [٣٣ ـ ٤٨] وآيات مريم [١ ـ ٢١] وقد أوردنا ما جاء في صدد ذلك في الإصحاح الأول من إنجيل لوقا في سياق تفسير سورة مريم. فنكتفي بالتنبيه إلى ذلك. وإذا كان في بعض آيات القرآن بيانات ليست واردة في هذا
__________________
(١) انظر تاريخ سورية للدبس مجلد ٣ ج ٢ ومجلد ٤ ج ٣.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه.