فالمتبادر أن ذلك راجع إلى كونهما ذنبين شخصيين لا يتعلق بهما حق الغير. فالحدود القرآنية إنما تفسّر بهذا الأصل فيما يتبادر لنا في جملة ما تفسّر به أيضا. ويلحظ أن القرآن لم يعيّن حدّا على تارك الصلاة والصوم والحج والزكاة وهي أركان الإسلام مما يمكن أن يفسر بمثل ذلك. والقول بعدم حرمة المسكر والميسر كفر لا ريب فيه بإجماع علماء المسلمين في كل زمن ومكان استنادا إلى هذه الآيات وروحها والأحاديث النبوية العديدة. وإذا كان النبي صلىاللهعليهوسلم قد رأى أن يجلد شارب الخمر دون لاعب الميسر فحكمة ذلك ما في شرب الخمر من إضاعة عقل وكرامة واحتمال إقدام الشارب على أفعال ضارة به وبغيره كما هو المتبادر. ويلحظ أن المأثور عن النبي صلىاللهعليهوسلم من ذلك يجعل السنّة النبوية من باب التعزير والتأديب حيث روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن أنس «أنّ نبي الله صلىاللهعليهوسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال وفي رواية : أنه أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين. وفي رواية للترمذي : أنه ضرب شارب الخمر بنعلين أربعين» (١) وروى البخاري وأبو داود عن أبي هريرة «أن النبي صلىاللهعليهوسلم أتي برجل قد شرب الخمر فقال : اضربوه ، فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم : أخزاك الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان» (٢) وروى البخاري «أنه كان رجل على عهد النبي صلىاللهعليهوسلم يسمّى عبد الله وكان يلقّب حمارا وكان يضحك النبي صلىاللهعليهوسلم وكان قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال بعض القوم : اللهمّ العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : لا تلعنوه فو الله ما علمت إلّا أنه يحبّ الله ورسوله» (٣) وليس في النهي النبوي في الحديثين ما يخفف إثم شارب الخمر واستحقاقه للتعزير وكل ما في الأمر أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم ير تجاوز ذلك إلى لعنه. وفي هذا تأديب نبوي رفيع كما هو المتبادر.
__________________
(١) التاج ج ٣ ص ٢٨.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه.