ولقد استلهم أصحاب رسول الله سنته من بعده فروى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن أنس أن أبا بكر جلد في الخمر بالجريد والنعال أربعين فلما كان عمر ودنا الناس من الريف والقرى قال ما ترون في جلد الخمر فقال عبد الرحمن بن عوف أرى أن تجعلها كأخفّ الحدود فجلد ثمانين (١).
ولقد روى الشيخان عن ابن عمر قال سمعت عمر على منبر النبي صلىاللهعليهوسلم يقول «أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة : من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير. والخمر ما خامر العقل» (٢) والجملة الأخيرة من الحديث المتوافقة مع بعض الأحاديث التي أوردناها قبل تزيل الوهم بحلّ ما يمكن أن يصنع من غير المواد المذكورة من شراب مسكر كما هو ظاهر. والمتبادر أن المواد التي ذكرت في الحديث هي ما كان يصنع منه الخمر في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم وخلفائه.
هذا ، وهناك أحاديث أخرى فيها بعض الأحكام في صدد الخمر أيضا. منها حديث رواه الخمسة عن عائشة قالت «قدم وفد عبد القيس على النبي صلىاللهعليهوسلم فسألوه عن النبيذ فنهاهم أن ينتبذوا في الدّباء والنقير والمزفّت والحنتم» (٣) والانتباذ هو نقع الزبيب والتمر وما من بابهما وشرب نقيعه الذي كان يسمى نبيذا. وقد روى مسلم والترمذي حديثا فيه تفسير للألفاظ عن ابن عمر لسائل سأله عنها جاء فيه «نهى النبيّ عن النبذ في الحنتم وهي الجرة والدباء وهي القرعة والمزفّت وهو المطلي بالقار والنقير وهي جذع النخلة المنقور وأمر بأن ينتبذ في الأسقية» (٤) وهناك حديثان معولان للحديث النبوي روى أحدهما الخمسة إلا البخاري عن بريدة جاء فيه فيما جاء «قال النبي صلىاللهعليهوسلم نهيتكم عن الأشربة إلّا في ظروف الأدم فاشربوا في كلّ وعاء غير ألّا تشربوا مسكرا» (٥) وحديث رواه الخمسة جاء فيه «قال
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ٩٤.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) التاج ج ٣ ص ١٢٦ وما بعدها.
(٤) المصدر نفسه.
(٥) المصدر نفسه.