وقد يرد سؤال وهو ما إذا كان للمضطر أن يشرب الخمر قياسا على إجازة القرآن للمضطر بأكل الميتة ولحم الخنزير والدم وما أهلّ لغير الله به على ما جاء في آيات عديدة منها الآية الثالثة من هذه السورة. ولقد أوردنا قبل قليل حديثا فيه جواب نبوي يفيد النهي عن صنع الخمر وشربها كدواء. ويتبادر لنا أن نصّ الحديث غير حاسم. وأن من السائغ أن يقال إن للمضطر في حالة المرض الشديد الذي لا يكون له علاج إلا الخمر وإن له في حالة العطش الشديد الذي لا يجد صاحبه ما يدفع به عطشه إلا الخمر أن يتناول من الخمر ما يشفي مرضه ويدفع عطشه في نطاق الرخصة القرآنية المنطوية في جملة (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام [١٤٥] و (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة [٣] والله تعالى أعلم.
وفي صدد الميسر نقول إننا شرحنا معناه اللغوي في سياق تفسير سورة البقرة [٢١٩] ونقول هنا إن صيغة الآية تفيد أن تحريم كلّ ما يندرج في معنى الميسر وهو أخذ مال من آخر بدون حقّ وسند شرعي وبأسلوب اللعب والرهان بخاصة هو بنفس قوة تحريم الخمر. وهناك أحاديث في صدد تحريم بعض الألعاب. منها ما رواه أصحاب الكتب الخمسة ومنها ما رواه أئمة حديث آخرون. فمن الأول حديث رواه مسلم وأبو داود عن بريدة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه» (١) وحديث رواه أبو داود عن أبي موسى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله» (٢). ومن الثاني حديثان في صيغة متقاربة أوردهما ابن كثير أخرج أحدهما الإمام أحمد عن ابن مسعود قال «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إياكم وهاتان الكعبتان الموسومتان اللتان تزجران زجرا فإنهما من ميسر العجم» وأخرج ثانيهما ابن أبي حاتم عن أبي موسى قال «قال النبي صلىاللهعليهوسلم اجتنبوا هذه الكعاب الموسومة التي يزجر بها زجرا فإنها من الميسر» وقد روى
__________________
(١) التاج ج ٥ ص ٢٦١.
(٢) المصدر نفسه.