ابن كثير قولا عن عبد الله بن عمر عن الشطرنج أنه شرّ من النرد وعن عليّ أنه من الميسر. وقال إن مالكا وأبا حنيفة وأحمد حرّموه وإن الشافعي كرهه. وروى عن عطاء ومجاهد وطاووس أن كل شيء من القمار هو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والبيض. ويصحّ أن يفرع على هذا ألعاب الورق التي لم تكن معروفة قبل.
وظاهر مما تقدم أن كل ما يمارس ، من ألعاب وأعمال فيها رهان وقمار وأخذ مال الغير وبنية ذلك يدخل في معنى الميسر ويتناوله الوصف والحظر القرآنيان. وفي قول مجاهد وعطاء وطاووس الذي يرويه ابن كثير دعم لذلك.
وفي صدد الأزلام نقول إن المستفاد من كلام الطبري وغيره أن المقصود من الكلمة في الآية هو ما يذبح من ذبائح على سبيل الميسر. وهي الطريقة التي شرحناها في سياق آية سورة البقرة [٢١٩] حيث أريد بالعبارة القرآنية هنا التنبيه إلى أنّ كل ما يذبح من ذبائح على سبيل الميسر هو رجس حرام. وتأويل الأزلام بالذبائح التي تذبح على سبيل الميسر هنا وجيه. غير أن ذكر الأزلام مع الميسر قد يفيد أن الكلمتين غير مترادفتين. والذي يتبادر لنا أن الميسر هو القمار بصورة عامة وأن الأزلام نوع منه اختص بالذكر لأنه الأكثر ممارسة في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم وبيئته ممتدّا إلى ما قبل. وقد يدعم هذا الاكتفاء بذكر الميسر في الآية الثانية.
والأنصاب هي ما كان العرب ينصبونه للعبادة والطقوس من حجر وشجر وكانوا يذبحون عندها قرابينهم باسم معبوداتهم التي يشركونها مع الله وقد ذكر ذلك في الآية [٣] من هذه السورة. حيث حرّم ما يذبح عليها (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) ولعل المقصود هنا أيضا توكيد تحريم أكل الذبائح التي تذبح عليها لأن هذا هو المتناسب مع مقام الآيات.
هذا ، وأسلوب الآيات شديد في الوصف والتحذير. مما قد يدلّ على قوة جذور هذه العادات وتعلّق الناس بها وبخاصة الخمر والميسر. وقد نبهت الآية الثانية إلى ما في تعاطي الخمر والميسر من مضارّ عظيمة اجتماعية وخلقية ودينية مما هو من باب حكمة التشريع ومما هو متسق مع الأسلوب القرآني بوجه عام.