بيّن لهم ما شرع الله ورسوله مما فيه المصلحة والفائدة ودعوا إلى اتباعه أبوا وقالوا إنه يكفينا ما وجدنا عليه آباءنا.
(٤) وتقريع لاذع بسبيل الرد عليهم بأسلوب سؤال عما إذا كان يصحّ في العقل أن يحتجوا بآبائهم فيسيروا على ما كانوا عليه سيرا أعمى ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا وليسوا من أمرهم على هدى.
ولقد ذكرنا في سياق تفسير الآيتين السابقتين أن الطبري روى أنهما نزلتا في صدد سؤال عن تقاليد البحيرة وأخواتها. وقد توقفنا في هذه الرواية. بسبب صيغتها. ولم نطلع على رواية أخرى كسبب لنزول الآيات التي نحن في صددها والتي نرجح أنها مستقلة عن ما سبقها وأنها نزلت جوابا على استفسار أورده بعضهم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن هذه التقاليد وما كان يدعيه العرب من أن ذلك تقاليد دينية شرعها الله. فنزلت الآيات موضحة نافية أن يكون ذلك من شرع الله. ومقررة أن هذه الدعوى كذب وافتراء على الله. ومن المحتمل أن تكون الآيات نزلت عقب الآيات السابقة فوضعت بعدها وظنّ بعضهم أنها نزلت بسبب السؤال الذي ترويه الرواية. أو أن تكون وضعت بعدها للتماثل بينها وبين ما قبلها من حيث احتواء السياق أوامر وتحذيرات. والله تعالى أعلم.
وهناك حديث رواه الشيخان عن سعيد بن المسيب في شرح المقصود من عبارة الآية الأولى جاء فيه «البحيرة هي التي يمنع درّها للطواغيت فلا يحلبها أحد. والسائبة كانوا يسيّبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء. والوصيلة هي الناقة البكر تبكّر بأنثى ثم تثني بعد بأنثى ليس بينهما ذكر وكانوا يسيّبونها لطواغيتهم. والحامي هو فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضاه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل» (١) وهذه التعريفات لا توضح مدى التقاليد والاصطلاحات الجاهلية توضيحا شافيا. وفي كتب التفسير بيانات أوسع فيها صور عديدة لذلك. غير أنها
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ٩٦.