ولا نستبعد بل نرجح أن مشهدا ما قام بين النبي صلىاللهعليهوسلم وبين فريق من النصارى أو أن سؤالا ما وجّه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أو أن بحثا ما أثير حول عيسى عليهالسلام وشخصيته وأمّه ورسالته ومعجزاته فكان مناسبة لنزول هذه الآيات. لأن بعض ما جاء فيها بل أكثره قد جاء في آيات أخرى لمناسبات مروية ولا تبدو الحكمة في تكراره إلّا أن تكون مناسبة جديدة جريا على النظم القرآني والهدف القرآني في تكرار القصص.
والقسم الأول من الآيات ورد ما يماثله بأسلوب آخر في سورة آل عمران. وكذلك ورد خبر تأييد الله تعالى عيسى عليهالسلام بروح القدس في بعض آيات سورة البقرة. وعلقنا على هذا وذاك بما فيه الكفاية. والآيات هنا تلهم أنه استهدف تقرير كون ذلك إنما جرى بإذن الله تعالى. وهو ما تضمّنت الأناجيل المتداولة عبارات عديدة منسوبة لعيسى عليهالسلام فيها اعترافه به.
ومن الجديد في الآيات حكاية قول الذين كفروا من بني إسرائيل إن ما جاء به عيسى من الآيات والبينات هو سحر. وفي الأناجيل المتداولة اليوم حكاية قولهم حينما كان عيسى يشفي المجانين إنه يخرج الشياطين ببعل زيون رئيس الشياطين وإنّ به شيطانا (١) وكان بنو إسرائيل يعتقدون أن السحرة والعرافين يتعاملون مع الجن على ما أوردناه في سياق قصة موسى عليهالسلام مع فرعون في سورة طه. وليس من مانع من أن يكون قولهم الصريح الذي حكته الآيات قد ورد في أناجيل وقراطيس لم تصل إلينا. ونحن نعتقد ذلك. والله تعالى أعلم.
ومن الجديد في الآيات معجزة المائدة والتنصل المحكي على لسان عيسى عليهالسلام من عقيدة النصارى بألوهيته وألوهية أمه.
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها الطبري وغيره عن بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتابعيهم في صدد معاني الآيات ومحتواها.
__________________
(١) انظر الإصحاحات ١٠ و ١٢ من إنجيل متى و ٣ من مرقص و ١١ من لوقا.