فخاف الحواريون فلم يأكلوا منها فدعا أهل الفاقة والمرضى والمجذومين والبرص والمقعدين فأكلوا فلم يأكل فقير إلّا غني ولا مبتل إلّا عوفي ، وبقيت على هيئتها ثم طارت كما نزلت. وظلت تنزل أربعين ضحى فيقبل الناس على الأكل منها ثم تبقى على هيئتها! ولم يرد شيء من ذلك في الصحاح.
وننبه على أن قصة المائدة لم ترد في الأناجيل المتداولة على الوجه الذي جاءت عليه في الآيات أو مقارب له. وإنما ورد فيها قصة معجزة لعيسى عليهالسلام حيث قدم لجمع يبلغ خمسة آلاف خمسة أرغفة وسمكتين بعد أن قطعها فأكلوا وشبعوا وبقي من الكسر ما ملأ اثنتي عشرة قفة أو سبعة سلال (١). وفي الإصحاح العاشر من سفر أعمال الرسل ـ من ملحقات الأناجيل التي سمّي مجموعها العهد الجديد ـ قصة فيها شيء مقارب جاء فيها «إن سمعان أحد حواريي المسيح الملقب بطرس كان في الطريق إلى يافا فجاع ووقع عليه انجذاب فرأى السماء مفتوحة ووعاء هابطا كأنه سماط عظيم معقود من أطرافه الأربعة ومدلّى على الأرض وكان فيه من كل ذوات الأربع ودوابّ الأرض وطيور السماء وإذا بصوت يقول قم يا بطرس اذبح وكل فقال بطرس حاشا يا رب فإني لم آكل قط نجسا أو دنسا فخاطبه الصوت ثانية ما طهره الله لا تنجسه أنت. وحدث هذا ثلاث مرات ثم رفع الوعاء إلى السماء» (٢). غير أن المتبادر أن هذه القصة وتلك ليستا هما المائدة القرآنية. ويوجد في بيت المقدس مكان تقليدي يحترمه المسلمون والنصارى معا يعرف ببيت المائدة في العمارة المعروفة بالنبي داود حيث قد يفيد هذا أن النصارى أو فريقا منهم كانوا يتداولون خبر معجزة مائدة نزلت من السماء على المسيح والحواريين جيلا عن جيل. والروايات المأثورة عن زمن النبي صلىاللهعليهوسلم بقطع النظر عما فيها من غرابة قد تدل على أن قصة هذه المعجزة لم تكن مجهولة. ونحن نعتقد أن أهل بيئة النبي صلىاللهعليهوسلم قد عرفوها عن طريق النصارى كما نعتقد أنها كانت واردة في بعض أسفارهم التي لم تصل إلى عهدنا. والقصة إنما ذكرت في
__________________
(١) انظر إنجيل متى الإصحاح ٦ ويوحنا الإصحاح ١٥ ومرقص الإصحاح ٦ ولوقا الإصحاح ٩.
(٢) النص منقول من النسخة الكاثوليكية.