والذي يتبادر لنا أن الآيتين جاءتا معقبتين على الآيات السابقة التي تحكي حالة أهل الكتاب وبخاصة النصارى في زمن النبي وقبله لتهتف بالمسلمين أن يتقوا الله ويتيقنوا ويثقوا بكل ما جاء به رسوله ودعا إليه فيستحقوا بذلك ضعفين من رحمة الله وغفرانه ونوره. ويكون في ذلك ردّ على أهل الكتاب غير المؤمنين الذين قد يحتجون بأنهم على هدى الله وأنهم الحائزون وحدهم لرحمته وفضله.
والراجح أنه كان يقع حوار بين بعض المسلمين وأهل الكتاب حول من هو الأهدى والأفضل والمستحق لرحمة الله فكان في الآية الثانية ترديد لذلك ووضع للأمر في نصابه الحق. وهناك آيات في سور سبق تفسيرها تذكر ما كان من تبجح أهل الكتاب بأنهم أبناء الله وأحباؤه وبأنهم الأهدى الذين لهم الجنة وحدهم إلخ كما جاء مثلا في آيات البقرة [١١١ و ١٢٠ و ١٢٥] والمائدة [١٨].
ولقد روى الطبري عن ابن زيد في تأويل جملة : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) إنها بمعنى يؤتكم رحمته مرتين مرة في الدنيا ومرة في الآخرة. وعن الضحاك إنها بمعنى يؤتكم أجرا على إيمانكم بالكتاب الأول وأجرا على إيمانكم بالقرآن. ومع أن القول الأول أوجه من الثاني فإنه يتبادر لنا أيضا أن الجملة على سبيل البشرى والتطمين بمضاعفة الله الأجر للمؤمنين المتقين. وهو ما تكرر بأساليب متنوعة مرّت أمثلة كثيرة منها في السور التي سبق تفسيرها والله أعلم.
وعلى كل حال ففي الآيتين تلقين مستمر المدى يستمد منه المسلم حافزا على تقوى الله لنيل أجره المضاعف والاهتداء بنوره الهادي. وإيذانا بأنه لا حرج على فضل الله ولا يحقّ لأحد أن يحتكره فالله هو صاحب الفضل فيؤتيه من يشاء ممن استحقه بعمله الصالح وتقواه.
ولقد أورد المفسرون في سياق الآيتين بعض أحاديث نبوية فيها تمثيل مبشر للمسلمين وهي ليست من الصحاح ومع ذلك فلم نر بأسا من إيرادها لما فيها من تبشير وتطمين للمسلمين. منها حديث أخرجه الطبري عن عبد الله بن عمر قال : «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول إنما آجالكم في آجال من خلا من الأمم كما بين صلاة