الأقوال بالصواب أن الأجل الذي جعله الله لأهل العهد من المشركين إنما هو لأهل العهد الذين ظاهروا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونقضوا عهدهم قبل انقضاء مدته دون الذين لم ينقضوا لأن الله أمر بإتمام العهد معهم وبالاستقامة لهم ما استقاموا عليه.
وفي تفسير البغوي رواية عن ابن إسحق ومجاهد تذكر أن الآيات نزلت قبل تبوك وأنها نزلت في أهل مكة. وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عاهد قريشا عام الحديبية على وضع الحرب عشر سنين ودخلت خزاعة في عهد رسول الله وبنو بكر في عهد قريش ثم عدا بنو بكر على خزاعة فنالوا منها وأعانتهم قريش بالسلاح وحينئذ خرج عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة وناشد رسول الله النصر فقال له رسول الله لا نصرت إن لم أنصركم وتجهّز إلى مكة.
والرواية تقتضي أن تكون الآيات قد نزلت قبل فتح مكة في حين أن الآية التالية لها المنسجمة معها كلّ الانسجام تدل على أنّ الآيات نزلت بعد فتح مكة.
ولقد روى المفسر إلى روايته المذكورة رواية أخرى جاء فيها : «إنّ المفسرين ـ ويقصد أهل التفسير والتأويل في الصدر الأول ـ قالوا إنّ رسول الله لما خرج إلى تبوك أرجف المنافقون وأخذ المشركون ينقضون عهودهم فأنزل الله الآيات بالنسبة لهؤلاء مع إمهالهم أربعة أشهر إن كانت مدة عهدهم أقل أو قصرها على أربعة أشهر كانت أكثر». وهذا متساوق مع ما ذهب إليه الطبري وصوّبه ، وهو أن الآيات نزلت في شأن الذين بدرت منهم بوادر نقض من المشركين. والرواية تفيد أن ذلك كان بعد فتح مكة لأن سفرة تبوك كانت بعد الفتح. وهو الحق والصواب اللذان يزول بهما وهم التعارض والتناقض.
وليس في كتب التفسير الأخرى شيء مهم آخر في صور الآيتين. فاكتفينا بما أورده الطبري والبغوي لأنهما من أقدم من وصل إلينا كتبهم ومعظم من أتى بعدهم من المفسرين نقلوا عنهم.