لمؤتة في السنة الثامنة. وهي الغزوة التي كانت تحت قيادة زيد بن حارثة. والتي أشرنا إليها في مناسبة قريبة من هذه السورة فرأى النبي صلىاللهعليهوسلم أن يجمع أكبر عدد ممكن من المسلمين ويخرج بهم إلى مشارف الشام إرهابا للأعداء. فاستنفر الناس بدوا وحضرا واستعانهم بالمال ولم يزل بهم محرضا مرغبا ومنذرا حتى تمكن من جمع جيش عظيم بلغ على ما ذكرته الروايات ثلاثين ألفا فيه عشرة آلاف فرس. وقد سمّي الجيش بجيش العسرة بسبب كون الوقت كان صيفا قائظا وحالة المسلمين الاقتصادية سيئة والشقة بعيدة. ولقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم اعتاد أن يكني ولا يفصح عن المكان الذي يغزوه إلّا هذه الغزوة حيث صرّح لهم بقصده ليكونوا على بينة واستعداد. وكان من مشاهد هذه الحركة أن تبرّع بعض أغنياء الصحابة المخلصين كعثمان بن عفان بمبالغ طائلة سددت ثغرات واسعة من الحاجة كما كان من مشاهدها تسابق فقراء الصحابة المخلصين إلى التبرع بجهدهم والانضمام إلى الجيش. وبكاء وحزن بعض المسلمين الذين لم يتسن لهم الاشتراك في الحملة بسبب فقرهم وعدم إمكان مساعدتهم على تحقيق رغبتهم (١).
وقد خرج النبي صلىاللهعليهوسلم بجيشه العظيم في شهر رجب فوصل تبوك بعد عشرين يوما وعسكر فيها ولم يتعدها. ولم يجد فيها ما بلغه من جموع حيث كانوا تفرقوا حينما بلغهم مسيره. ولم يشتبك مع أحد بحرب. وقد أقام نحو شهر ثم قفل راجعا. ولم تخل الغزوة من مكاسب مادية وسياسية ومعنوية.
__________________
(١) روى الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب قال شهدت النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يحثّ على جيش العسرة فقام عثمان فقال يا رسول الله عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. ثم حضّ على الجيش فقام عثمان فقال يا رسول الله عليّ مائتي بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. ثم حضّ على الجيش فقام عثمان فقال يا رسول الله عليّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. فنزل رسول الله وهو يقول ما على عثمان ما عمل بعد هذه. وروى عبد الرحمن بن سمرة قال جاء عثمان إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بألف دينار في كمّه حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجرة فرأيت النبي صلىاللهعليهوسلم يقلبها في حجره ويقول ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم. (التاج ج ٣ ص ٢٩٣). أما المشاهد الأخرى فقد أشير إليها في آيات من هذه السورة.