الآية تنطوي على عتاب رباني «وقيل إن الله عزوجل وقّر النبي ورفع محلّه بافتتاح الكلام بالدعاء له كما يقول الرجل لمن يخاطبه إذا كان كريما عنده عفا الله عنك ما صنعت في حاجتي ورضي الله عنك ألا زرتني» ويتبادر لنا أن هذا التوجيه هو الأوجه الأكثر اتساقا مع مقام الجملة.
ولقد حاول الطبرسي والزمخشري أن يوفقا بين ما ظنا أنه متناقض بين التنديد بالمتخلفين من جهة وتقرير كون تخلفهم بإلهام من الله تعالى من جهة أخرى. وقد قال الطبرسي في صدد ذلك «لا ينبغي أن يقال كره الله انبعاثهم بعد ما أمرهم به حيث يقال إنما أمر به على وجه الذبّ عن الدين ونية الجهاد وكرهه منهم على نية التخريب والفساد أو أمرهم به لأنه طاعة وثبطهم عنه لأنه علم بضرره منهم. والآيات كما قلنا قبل جاءت على سبيل التطمين والتسلية ولا نرى محلا للإشكال ولا ضرورة للتكلّف فيه.
ولقد روى البغوي عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يكن يعرف المنافقين يومئذ فأذن لمن استأذنه على اعتبار أنه صادق في اعتذاره. ومع أن في هذه السورة آية تفيد أنه كان منافقون في المدينة وفي من حولهم من الأعراب لا يعلمهم النبي وهي الآية [١٠١] فإن هناك آيات عديدة في سور عديدة تصف المنافقين وتذكر أقوالهم وأفعالهم وتدمغهم بها دمغا يدل دلالة لا ريب فيها أن كثيرا منهم كانوا معروفين بأعيانهم وأسمائهم عند النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه. ولقد روى المفسرون أسماء عدد من المستأذنين منهم عبد الله بن نبتل ورفاعة بن تابوت وعبد الله بن أبي وأوس بن قيظي والجد بن قيس وجميع هؤلاء ممن عرف عنهم النفاق والمخامرة. والاحتمال الوارد هو أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يرد أن يتشدد في أمر السفر لما يعرفه من شدة ظروف الغزوة للضرر المادي والمعنوي الذي يترتب على المكرهين عليه فأذن لمن استأذنه سواء أكانوا من المعروفين بنفاقهم أم لا. وفي الآيات [٤٥ ـ ٤٧] قرائن قوية على ذلك. ولقد قال بعض المفسرين إن في الآية [٤٣] دليلا على أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يجتهد وينفذ اجتهاده. وهذا طبعا فيما لم يكن فيه وحي قرآني. وقد تكررت هذه الظاهرة في مناسبات آيات عديدة نبهنا عليها. حيث كان الوحي إما يقر النبي في اجتهاده أو