وهذا ما علّل به المفسرون حكمة التشريع خطوة جديدة قوية في سبيل إزالة الجفوة وتوطيد التآنس والتواثق والتعامل والتقارب عمليا بينهم. ووسيلة لإظهار محاسن الإسلام ورحابة صدره.
وسياق الآية يلهم بقوة أنها نزلت بعد وقعة الحديبية. أو لعلها نزلت بعد وقعة خيبر التي كانت عقب تلك الوقعة. وبعبارة ثانية بعد خضد شوكة اليهود في المدينة والقرى. وهذا يجعل من المتبادر بالإضافة إلى تلك الحكمة أن المسلمين صاروا في موقف الآمن المطمئن وبخاصة من ناحية اليهود الذين هم الكتلة الكتابية الكبرى في بيئتهم وأنه لم يبق ما يوجب التقاطع بينهم وبين المسلمين فكان ذلك من أسباب وحكمة التنزيل. وقد اختصصنا اليهود بالذكر لأنه لم يكن في بيئة النبي صلىاللهعليهوسلم كتلة كبيرة من النصارى تستطيع أن تلعب دورا مؤذيا ومناوئا كالدور الذي لعبه اليهود أولا. ولأن النصارى الذين كانوا في هذه البيئة كانوا على قدر كبير من الدمائة وحسن النّية والبعد عن المناوأة والعداء وقد اندمج معظمهم في الإسلام ثانيا. ولأن النصارى عامة كانوا إجمالا أكثر دماثة وأحسن أخلاقا وأصفى قلبا من اليهود. وقد فرقت إحدى آيات هذه السورة بين الفريقين في مواقفهما من النبي صلىاللهعليهوسلم ورسالته ومن المسلمين فقالت (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢)).
وأثنت آية في سورة الحديد على أخلاقهم ثناء محببا هو على الغالب سجل لما كان واقع غالبهم وخاصة في بيئة النبي صلىاللهعليهوسلم وهي (قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ...) هذا في حين احتوت آيات مدنية كثيرة تسجيلا لما كان من واقع غالب اليهود من أخلاق سيئة وقلوب قاسية وانحرافات خلقية ودينية خطيرة مما مرّ منه أمثلة كثيرة في سور البقرة وآل عمران والنساء والجمعة التي مرّ تفسيرها.
وواضح أن صيغة الآية تشريعية عامة. وأن ما نبهنا عليه مما احتوته من