السياق. وكل ما في الأمر أنها احتوت إشارة إلى موقف كان وقفه بعض المنافقين من نوع ما ذكرته الأحاديث في معرض التذكير بأقوال ومواقف المنافقين وتقريعهم والتنديد بهم بمناسبة تثاقلهم عن غزوة تبوك.
والموقف الذي حكته الآية الأولى يدل على ما كان من جرأة المنافقين على الطعن في ذمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعدله والتهويش عليه في سبيل منافعهم الخاصة. ويدل على ما كانوا عليه من خبث طوية وفراغ إيمان وقلة ثقة بالله ورسوله. ثم على ما كان النبي يلقاه من هذه الفئة الخبيثة. والذي نرجحه أن ذلك الموقف مما كان يبدر منهم حينما كانوا أكثر قوة أو حينما كان النبي والمسلمون أقل قوة واستعلاء مما صاروا إليه حين نزول الآيات. وقد أشير إليه هنا على سبيل التذكير والتنديد كما قلنا.
والموقف المحكي هو في الآية الأولى فقط. أما الآيتان الأخريان فقد جاءتا على سبيل التعقيب والاستطراد حيث احتوت الثانية تنديدا بالمنافقين وتنبيها إلى ما كان الأولى بهم لو كانوا مخلصين حقا وحيث احتوت الثالثة تحديدا للمصارف التي لا يجوز أن تعطى الصدقات لغيرها.
ومع أن الآية الثالثة قد جاءت مع الآية الثانية كما قلنا على سبيل التعقيب والاستطراد فإنها هي الوحيدة التي وردت في القرآن عن أصناف مستحقي الصدقات جميعها وكانت من أجل ذلك هي المستند التشريعي في هذا الأمر.
والمجمع عليه أن الصدقات المقصودة في الآية هي الزكاة المفروضة خاصة. ولعلّ في ورود جملة (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) في الآية قرينة على ذلك. هذا مع القول إن هذه الجملة قد تكون في نفس الوقت بسبيل التشديد على واجب إبقاء الزكاة في نطاق مصارفها المعينة.
والمفروض في الآية الثالثة هو مصارف الزكاة وليست الزكاة. لأن فريضة الزكاة قد فرضت كما استلهمنا من آيات مكيّة منذ أواسط العهد المكي أو قبل ذلك. وقد استلهمنا من آيات مكيّة أخرى أن مقاديرها أيضا كانت معينة في العهد