الغائب عائد إلى المنافقين الذين هم موضوع الحديث في الآيات السابقة. وهي بسبيل تسجيل كفرهم وفسقهم وعدم إمكان شمولهم بغفران الله تعالى سواء أستغفر لهم النبي صلىاللهعليهوسلم أو لم يستغفر لهم حتى ولو استغفر لهم سبعين مرة. فإن الله لا يمكن أن يوفق ويهدي الفاسقين عن أوامره.
وقد روى المفسرون (١) أن المنافقين لما نزلت الآيات السابقة التي تحكي مواقفهم وتفضحهم وتندد بهم لجأوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يعتذرون ويطلبون منه الاستغفار لهم وأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال إن الله خيّرني أن أستغفر لهم أو لا أستغفر لهم فاستغفر لهم أو همّ بذلك فأنزل الله الآية. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم بعدها : «لأزيدنّ على السبعين أو سأستغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين ...».
ولقد روى الشيخان والترمذي حديثا عن ابن عمر قال : «لما توفّي عبد الله بن أبيّ بن سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن به أباه. فأعطاه ثم سأله أن يصلّي عليه فقام رسول الله ليصلّي عليه فقام عمر فأخذ بثوب النبي فقال يا رسول الله تصلّي عليه. وقد نهاك ربّك فقال إنما خيرني الله فقال (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) وسأزيده على السبعين. قال عمر إنه منافق. قال فصلّى عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ)» (٢). وبقطع النظر عما يتحمله هذا الحديث من ملاحظات سوف نوردها في سياق تفسير الآية : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ...) التي ستأتي بعد قليل فإن خبر مسارعة المنافقين إلى الاعتذار للنبي وطلب الاستغفار منه لهم بعد نزول الآيات القارعة فيهم محتمل الصحة. وبخاصة بالنسبة للمنافقين الذين كانوا معه في غزوة تبوك. لأننا نعتقد أن هذه السلسلة نزلت أثناء هذه الغزوة على ما تلهمه القرائن العديدة في آياتها السابقة واللاحقة. غير أننا
__________________
(١) انظر تفسير الخازن مثلا وانظر أيضا تفسير الطبري وابن كثير والبغوي.
(٢) التاج ج ٤ ص ١١٨.