وروى ابن سعد في طبقاته عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول حين رجوعه من غزوة عسفان أولى غزواته «آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون» (١) وروى ابن سعد أيضا أن النبي صلىاللهعليهوسلم حينما قرر العودة من غزوة الطائف بعد وقعة حنين قال للمسلمين «قولوا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. فلما ارتحلوا قال قولوا آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون» (٢).
والفرق بين ما جاء في هذه الأحاديث والآية هو أن الصيغة في الأحاديث إعلان من النبي والمؤمنين بالتوبة والإنابة إلى الله وحمده. في حين أن صيغة الآية أشمل وأوسع. وفيها تثبيت للصفات العظيمة التي تتحقق في المؤمنين من إنابة إلى الله وتوبة وجهاد وعبادة وسجود وركوع وسياحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وحفظ لحدود الله حينما يوفون ما أوجبه عليهم تعاقدهم على شراء الله منهم أنفسهم وأموالهم بالجنة من قتال في سبيله. وتنويها بهم وتبشيرا لهم حيث تكون حكمة التنزيل شاءت أن توحي قرآنا بصيغة أوسع وأشمل لما كان النبي صلىاللهعليهوسلم يهتف به ويأمر المسلمين بالهتاف به كلّما عاد وعادوا معه من سفر وجهاد في أعقاب غزوة تبوك آخر غزوات رسول الله وأعظمها عدد جيوش وبعد مدى وأهداف ومشقة.
وهذا لا ينقض ما قلناه استئناسا بإطلاق العبارة القرآنية من شمول مدى الآية لكل مسلم حينما يقوم بواجبه من القتال في سبيل الله نتيجة لتعاقده مع الله ببيع نفسه وماله بالجنة.
وفي صدد جملة (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) نقول إن القرآن احتوى آيات عديدة فيها دعوة للجهاد بالمال والنفس وحثّ عليه ووعد رباني بالنصر والجنّة للمجاهدين. ومن آخرها الآيات [٨٨ و ٨٩] من هذه السورة وإذا لم يكن في أسفار العهد القديم والعهد الجديد المتداولة اليوم بين أيدي اليهود والنصارى شيء صريح من ذلك فلا يعني هذا نفي ما جاء في الجملة القرآنية.
__________________
(١) طبقات ابن سعد ج ٣ ص ١٢٢ ـ ١٢٣ و ٢١١.
(٢) المصدر نفسه.