جالس في المسجد وحوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنّأني والله ما قام رجل من المهاجرين غيره فكنت لا أنساها له. فلما سلمت على النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يبرق وجهه من السرور قال : أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك. فقلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال لا بل من عند الله. وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا سرّ استنار وجهه كأنّ وجهه قطعة قمر وكنّا نعرف ذلك. فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله ، فقال أمسك بعض مالك فهو خير لك. فقلت إني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت يا رسول الله إن الله إنما أنجاني بالصدق وإن من توبتي ألا أحدث إلّا صدقا ما بقيت. قال فو الله ما علمت أن أحدا من المسلمين ابتلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم إلى يومي هذا أحسن مما أبلاني الله به. والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى يومي هذا. وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي قال فأنزل الله عزوجل : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨))(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)). قال كعب : والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط بعد إذ هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ألّا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا. فإنّ الله أنزل الوحي فيهم بشرّ ما قال لأحد قال : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦)). وفي رواية البخاري خاصة زيادة وهي «فاجتنب الناس كلامنا فلبثت كذلك حتى طال عليّ الأمر وما من شيء أهمّ إليّ من أن أموت فلا يصلّي عليّ النبي أو يموت النبيّ فأكون من الناس بتلك