المنزلة فلا يكلّمني أحد منهم ولا يصلّي عليّ. فأنزل الله توبتنا على نبيّه حين بقي الثلث الآخر من الليل وهو عند أم سلمة وكانت محسنة في شأني معنية في أمري فقال رسول الله يا أمّ سلمة تيب على كعب قالت أفلا أرسل إليه فأبشّره. قال إذا يحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليلة حتى إذا صلّى النبي صلىاللهعليهوسلم صلاة الفجر آذن بتوبة الله علينا. وكان إذا استبشر استنار وجهه كأنه قطعة من القمر».
والآية الثانية تلهم بقوة أن الذين تخلّفوا بغير عذر صحيح من المخلصين هم ثلاثة فقط. ويدلّ هذا على أن جميع القادرين من هؤلاء قد اشتركوا في الحملة. وقد اشترك فيها نساء أيضا على ما ذكرته الروايات كما اشترك فيها المخلصون من القبائل البدوية. وعدد المتخلفين من المنافقين في المدينة كان نحو ثمانين شخصا على ما جاء في الحديث الطويل الصحيح الذي أوردناه آنفا المروي عن كعب بن مالك. وأسلوب الآيات [٩٠ ـ ٩٢] التي تندد بالمعتذرين من الأعراب يدل على أن عددهم كان قليلا أيضا. وفي كل هذا دلائل على ما كان من خطورة الحملة ومن صحة العدد العظيم الذي روى اجتماعه فيها. ولا سيما إذا لحظنا أن المدينة بعد فتح مكة أخذت تكتظّ بالوافدين إليها من كل صوب.
والصورة التي رسمتها الآية الثانية عن المتخلفين الثلاثة قوية البروز تدلّ على ما كان من شدة أثر الموقف المتجهم الذي وقفه النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمون منهم في نفوسهم. وهو ما زاده الحديث المروي عن كعب بيانا وقوة. وحكمة ذلك واضحة. فالتقصير في الواجب ولا سيما إذا كان من المخلص خطير شديد الأثر من حيث احتمال تذرع غير المخلص به واحتمال عدواه للمخلص في الوقت نفسه. وفي هذا تلقين مستمر المدى فيما يجب على المسلمين أن يقفوه من موقف الحزم والشدة مع الذين يشذون عن المجموع ويقصرون في واجباتهم. وبخاصة في واجب الجهاد والنضال حتى ولو لم يكونوا متهمين في إيمانهم وإخلاصهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)) [١١٩].