بعض العلماء ـ بدون تسمية ـ إن الآية نزلت قبل نزول (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) فلما نزلت هذه صارت ناسخة للآية (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) ومضى الخازن قائلا : «إنّ المحققين من العلماء لا يرون وجها للنسخ لأن الله لما أمر المسلمين بقتال المشركين كافة أرشدهم إلى الطريق الأصوب والأصلح وهو أن يبدأوا بقتال الأقرب فالأقرب حتى يصلوا إلى الأبعد فالأبعد. وبهذا يحصل الغرض من قتال المشركين كافّة. لأن قتالهم دفعة واحدة لا يتصور. ولذلك قاتل رسول الله أولا قومه ثم انتقل إلى قتال سائر العرب ثم إلى قتال أهل الكتاب الأقربين قريظة والنضير وخيبر وفدك. ثم انتقل إلى غزو الروم في الشام ، ثم كان فتح الشام في زمن الصحابة. ثم انتقلوا إلى العراق ، ثم إلى سائر الأمصار».
وليس في كتب التفسير الأخرى التي بين أيدينا زيادة هامة يحسن نقلها. ويلوح لنا أن معظم هذه الأقوال اجتهادي من جهة ومتأثر بالوقائع التي وقعت في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم وبعده من جهة أخرى فضلا عن ما فيها من ثغرات. لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قاتل بني قريظة وبني النضير ومن قبلهم بني قينقاع ومن بعدهم خيبر وما حولها قبل أن يفرغ من قتال قومه فضلا عن فراغه من قتال سائر كفار العرب. وسار بنفسه إلى دومة الجندل وأرسل سرايا عديدة إلى مشارف الشام لقتال نصارى العرب في السنين الخامسة والسادسة والسابعة ثم سيّر جيشا بقيادة زيد بن حارثة لقتال الروم في أقصى بلاد الشام في السنة الثامنة قبل أن يفرغ من هذا وذاك على ما شرحناه في سياق تفسير الآية [٢٩] من هذه السورة.
وواضح من هذا أن المؤولين والمفسرين تلقوا الآية مستقلة وأداروا الكلام على مداها بصورة عامة متأثرين ببعض الوقائع. ولم يلتفتوا أو يلمحوا ما بينها وبين مدى سابقتها من صلة. مع أن الصلة بينهما وثيقة فيما نرى. وبها يمكن تأويلها تأويلا متسقا مع السياق والواقع الذي نزلت الآية في ظروفه. فالمسلمون خارج المدينة أخذوا يتوافدون إليها بقصد الجهاد مع رسول الله ومصاحبته. فاقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بالآية السابقة لتنبيههم إلى أنه لا حاجة إلى قدومهم جميعهم