للآيات السابقة في حكاية مواقف المنافقين حين نزول السور القرآنية. وهي متصلة بها سياقا وموضوعا وربما مناسبة أيضا.
والصورة التي تحتويها الآية خبيثة كالأولى. وفيها وفي سابقتها دليل على عمق شك هذا الفريق وجحوده ونفاقه. ولما كان احتمال نزول هذه الآيات بعد غزوة تبوك قويّا وهو ما قد يلهمه ترتيبها واحتمال صدور الصور التي انطوت فيها قويّا كذلك بعد هذه الغزوة ففيها دلالة على أن هذه الفئة الفاسقة ظلت مستمرة في نفاقها وخبثها ومواقفها الجحودية والتشكيكية والتشويشية والاستهزائية إلى أواخر حياة النبي صلىاللهعليهوسلم وإن كانت أخذت تبالغ في الحذر والرياء والتظاهر في المسايرة والملاينة والتوكيد بإخلاصها بسبب ما صار إليه موقف النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين من القوة والإسلام من الانتشار والتوطد.
(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)) [١٢٨ ـ ١٢٩].
(١) عزيز عليه : يصعب ويشق على نفسه.
(٢) ما عنتّم : ما شق عليكم وسبّب لكم العنت. أو ضلالكم على رأي بعض المفسرين.
وجّه الخطاب في الآية الأولى إلى السامعين والعرب عامة بأن الرسول الذي جاءهم هو منهم يشقّ عليه ضلالهم وما يصيبهم من أذى وعنت ويحرص كل الحرص على خيرهم وصالحهم. وهو شديد الرأفة والرحمة بالمؤمنين المخلصين منهم.
ووجّه الخطاب في الآية الثانية إلى النبي صلىاللهعليهوسلم على سبيل التطمين والتثبيت والاستدراك : فإذا أعرض بعض الناس عنه وعمّا يدعوهم إليه بعد ما بان لهم من شدة إشفاقه عليهم وحرصه على صالحهم وخيرهم وهدايتهم فليهتف بأن حسبي الله الذي لا إله إلا هو فهو كافيني وكاف عني وإني متوكل عليه وحده. فهو ربّ