وثانيا : إننا نلمح بكل قوة أن الآيتين متصلتان بالسياق السابق لهما الذي احتوى صورا لمواقف خبيثة للمنافقين فأوحى الله بهما معقّبتين على هذه المواقف لتذكر أولاهما الناس بالصفات العظيمة التي اتصف بها الرسول الذي جاءهم. ولتسلي ثانيتهما النبيّ حتى لا يغتمّ ولا يعبأ بمواقف المنافقين والمشركين وأن يقول إذا أصروا عليها وتولّوا (حسبي الله وعليه توكلت).
وما روي عن أبي من أن النبي أقرأه إياهما بعد الآيتين السابقتين لهما. وما روي عن زيد قوله إنهما آخر سورة براءة يدعمان ذلك. وإذا كان حديث أبي لم يرد في الصحاح فإنه يلتقي مع حديث زيد الذي رواه البخاري. وهذا يسوغ التوقف في الحديث المروي عن عبد الله بن الزبير في صدد وضعهما في آخر سورة براءة ارتجالا. وهناك دلائل قرآنية وأحاديث نبوية وصحابية كثيرة تفيد أن القرآن كان يدون أولا بأول ثم يسجل في قراطيس وتوضع آياته وفصوله التي كانت تنزل لحدة في السور بأمر رسول الله وأن سوره رتبت حسب ما هي الآن في المصحف في أواخر حياة النبي وبأمره. وأنه كان لبعض أصحاب رسول الله مصاحف مرتبة حسب المصحف وأن أصحاب رسول الله كانوا يحفظون ويقرأون القرآن حسب ترتيب المصحف أيضا بحيث يقال في صدد ما جاء في حديث البخاري عن زيد إنما أريد تدوين مصحف إمام بعد انقطاع الوحي بموت النبي صلىاللهعليهوسلم ليكون محفوظا عند الخليفة ومرجعا وأنه تتبع ما عند الناس في الرقاع وفي الصدور من قرآن زيادة في الحرص على ضبط هذا المصحف وقد لا يكون أحد غير أبي خيثمة كتب الآيتين في رقعة لحدتهما فكان ذلك مما عني في الحديث. والله تعالى أعلم.
ولما كنا نميل إلى اعتبار حديث أبي وصحته لاتساقه مع سياق الآيات ودعم حديث زيد الذي رواه البخاري له فإننا نميل إلى فهم قوله أن الآيتين هما آخر ما نزل من القرآن بكون سورة براءة من آخر ما نزل من القرآن فيكون آخرها كذلك. لأن هناك أحاديث عديدة منها ما ورد في الصحاح نذكر آيات أخرى كآخر ما نزل من القرآن ومن ذلك آيات الربا والدين في سورة البقرة على ما ذكرناه في سياق تفسيرها. والله تعالى أعلم.