ويلحظ كذلك شيء من الانسجام بين الآية والآيات الثلاث السابقة لها بحيث يتبادر أنها نزلت معها على سبيل توكيد الله ومراقبته. وأن ما احتوته من إشارة إنما كانت على سبيل التذكير في موقف يؤمر المسلمون فيه بتقوى الله والتزام حدوده.
ولقد انتهت الآية بالتنبيه إلى أن على المؤمنين أن يتوكلوا على الله ويعتمدوا عليه فهو كافيهم ومنجيهم من الأخطار. ومثل هذا تكرر كثيرا في الآيات المكية والمدنية لما في ذلك من معالجة روحية وبثّ للقوة المعنوية في المسلمين لمواجهة ما كانوا يتعرضون له من أخطار ومواقف محرجة. وتلقينها مستمر المدى للمسلمين في كل ظرف ومكان بطبيعة الحال على ما شرحناه شرحا وافيا في إحدى المناسبات السابقة.
(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤)) [١٢ ـ ١٤].
(١) النقيب : لغة من نقب الشيء أي بحثه وفحصه ، ونقيب القوم من يفحص ويبحث أحوالهم ، ثم صار علما على رئيسهم وصاحب التوجيه والأمر فيهم.